كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 8)

{وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) }
{وَطَلْحٍ} أَيْ: مَوْزٍ، وَاحِدَتُهَا طَلْحَةٌ، عَنْ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ هُوَ بِالْمَوْزِ وَلَكِنَّهُ شَجَرٌ لَهُ ظِلٌّ بَارِدٌ طَيِّبٌ. قَالَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: الطَّلْحُ عِنْدَ الْعَرَبِ: شَجَرٌ عِظَامٌ لَهَا شَوْكٌ.
وَرَوَى [مَجَالِدٌ] (1) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ" فَقَالَ: وَمَا شَأْنُ الطَّلْحِ؟ إِنَّمَا هُوَ: طَلْعٌ مَنْضُودٌ، ثُمَّ قَرَأَ: "طَلْعُهَا هَضِيمٌ" قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهَا فِي الْمُصْحَفِ بِالْحَاءِ أَفَلَا تَحَوِّلُهَا؟ فَقَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ لَا يُهَاجُ الْيَوْمَ وَلَا يُحَوَّلُ. (2)
وَ"الْمَنْضُودُ" الْمُتَرَاكِمُ الَّذِي قَدْ نُضِّدَ بِالْحَمْلِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخره، ليست هو سُوقٌ بَارِزَةٌ قَالَ مَسْرُوقٌ: أَشْجَارُ الْجَنَّةِ مِنْ عُرُوقِهَا إِلَى أَفَنَائِهَا ثَمَرٌ كُلُّهُ. {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} دَائِمٌ لَا تَنْسَخُهُ الشَّمْسُ وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلشَّيْءِ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ: مَمْدُودٌ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ ابن سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا" (3) .
وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} قَالَ: شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ عَلَى سَاقِ الْعَرْشِ يَخْرُجُ إِلَيْهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فَيَتَحَدَّثُونَ فِي أَصْلِهَا وَيَشْتَهِي بَعْضُهُمْ لَهْوَ الدُّنْيَا فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا رِيحًا مِنَ الْجَنَّةِ فَتُحَرِّكُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ بِكُلِّ لَهْوٍ فِي الدُّنْيَا (4) . {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} مَصْبُوبٍ يَجْرِي دَائِمًا فِي غَيْرِ أُخْدُودٍ لا ينقطع 150/ب
__________
(1) في "ب" مجاهد.
(2) أخرجه الطبري: 27 / 180 - 181، وابن الأنباري في "المصاحف " كنز العمال: 2 / 519، وعزاه ابن كثير: 4 / 289 لابن أبي حاتم =مختصرا. وهي رواية غير صحيحة كما نبه على ذلك الطيبي: وكيف يقر أمير المؤمنين كرم الله وجهه تحريفا في كتاب الله تعالى المتداول بين الناس؟ أو كيف يظن بأن نقلة القرآن الكريم ورواته وكتَّابه من قبل تعمدوا ذلك أو غفلوا عنه؟ هذا، والله تعالى قد تكفل بحفظه. سبحانك هذا بهتان عظيم. انظر: روح المعاني للآلوسي: 27 / 141.
(3) أخرجه عبد الرزاق في المصنف: 11 / 417، والبخاري في بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة: 6 / 319 - 320، ومسلم في الجنة، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها برقم: (2826) : 4 / 2175، والمصنف في شرح السنة: 15 / 207.
(4) عزاه الحافظ ابن كثير: 4 / 290 - 291 لابن أبي حاتم، وقال: "هذا أثر غريب، وإسناده جيد قوي حسن".

الصفحة 12