كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 8)

أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبَدِ الْقَاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا أَبُو يُونُسَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا أَنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ بَرَكَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنَ النَّاسِ بِهَا كَافِرِينَ، يُنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى الْغَيْثَ فَيَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِكَوْكَبِ كَذَا وَكَذَا" (1) .
{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) }
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَوْلَا} فَهَلَّا {إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} أَيْ بَلَغَتِ النَّفْسُ الْحُلْقُومَ عِنْدَ الْمَوْتِ. {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} يُرِيدُ وَأَنْتُمْ يَا أَهْلَ الْمَيِّتِ تَنْظُرُونَ إِلَيْهِ مَتَى تَخْرُجُ نَفْسُهُ. وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ "تَنْظُرُونَ" أَيْ إِلَى أَمْرِي وَسُلْطَانِي لَا يُمْكِنُكُمُ الدَّفْعُ وَلَا تَمْلِكُونَ شَيْئًا. {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالرُّؤْيَةِ. وَقِيلَ: وَرُسُلُنَا الَّذِينَ يَقْبِضُونَ رُوحَهُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ {وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ} الَّذِينَ حَضَرُوهُ. {فَلَوْلَا} فَهَلَّا {إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} مَمْلُوكِينَ وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: مُحَاسَبِينَ وَمَجْزِيِّينَ. {تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أَيْ تَرُدُّونَ نَفْسَ هَذَا الْمَيِّتِ إِلَى جَسَدِهِ بَعْدَمَا بَلَّغَتِ الْحُلْقُومَ فَأَجَابَ عَنْ قَوْلِهِ: "فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ" وَعَنْ قَوْلِهِ: "فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ" بِجَوَابٍ وَاحِدٍ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: "فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ" (الْبَقَرَةِ -38) أُجِيبَا بِجَوَابٍ وَاحِدٍ، مَعْنَاهُ: إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُونَ -أَنَّهُ لَا بَعْثَ وَلَا حِسَابَ وَلَا إِلَهَ يُجَازِي -فَهَلَّا تَرُدُّونَ نَفْسَ مَنْ يَعِزُّ عَلَيْكُمْ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنُكُمْ ذَلِكَ فَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَمْرَ إِلَى غَيْرِكُمْ وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَآمَنُوا بِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ طَبَقَاتِ الْخَلْقِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَبَيَّنَ دَرَجَاتِهِمْ فَقَالَ: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} وَهُمُ السَّابِقُونَ. {فَرَوْحٌ} قَرَأَ يَعْقُوبُ "فَرُوحٌ" بِضَمِّ الرَّاءِ
__________
(1) أخرجه مسلم في الإيمان، باب كفر من قال مطرنا بالنوء برقم: "72": 1 / 84، والمصنف في شرح السنة: 4 / 418 - 419.

الصفحة 25