كتاب المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (اسم الجزء: 2)

لثخانته ومنعه وصول الماء إليها لئلا يشفّ الماء، وأكثر هذه الشروط يمكن أخذها من الحديث (قال) في سبل السلام وللمسح عند القائلين به شرطان (الأول) ما أشار إليه الحديث وهو لبس الخفين مع كمال طهارة القدمين وذلك بأن يلبسهما وهو على طهارة بأن يتوضأ حتى يكمل وضوءه ثم يلبسهما (والثانى) مستفاد من مسمى الخفّ، فإن المراد به الكامل لأنه المتبادر عند الإطلاق وذلك بأن يكون ساترا قويا مانعا نفوذ الماء غير مخرّق فلا يمسح على ما لا يستر العقبين ولا على مخرّق يبدو منه محلّ الفرض ولا على منسوج إذ لا يمنع نفوذ الماء ولا على مغصوب لوجوب نزعه اهـ
(قوله فمسح عليهما) أى على الخفين (وظاهره) أنه عمهما بالمسح (وقد اختلف) في القدر المجزئ في المسح (فقالت) الحنفية يجزئُ قدر ثلاثة أصابع من أصغر أصابع اليد على أعلاه (وقالت) الشافعية يكفى ما يقع عليه اسم المسح في ظاهر أعلى الخفّ من محل الفرض (وقالت) المالكية لا بدّ من مسح الأعلى كله (وقالت) الحنابلة يجب مسح الأكثر منه، وسيأتى تمام الكلام عليه إن شاء الله تعالى في باب كيف المسح
(قوله شهد لى عروة) أى قال عروة أشهد أنى سمعت أبى يذكر هذا الحديث، والشهادة الإخبار عن الشئ المتيقن وقد جرى على ألسنة الأمة سلفها وخلفها في أداء الشهادة أشهد مقتصرين عليه دون غيره من الألفاظ الدالة على تحقيق الشئ نحو أعلم وأتيقن وهو موافق لألفاظ الكتاب والسنة فكان كالإجماع على تعين هذه اللفظة دون غيرها، ولا يخلو من معنى التعبد إذ لم ينقل غيره، ولعل السرّ فيه أن الشهادة اسم من المشاهدة التى هى الاطلاع على الشئ عيانا فاشترط في الأداء ما ينبئ عن المشاهدة، وأقرب شيء يدلّ على ذلك ما اشتقّ من اللفظ وهو أشهد بلفظ المضارع
(قوله وشهد أبوه) أى قال أبوه المغيرة بن شعبة أشهد أنى رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل ما ذكر في الحديث، وغرض الشعبى من ذكر هذه الشهادة تقوية الحديث.
(فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية خدمة الصغير للكبير، وعلى مشروعية لبس الضيق من الثياب الذى لا يصف العورة لا سيما في السفر فإنه أعون بخلاف ما يصف العورة كالبدل الإفرنجية فإنه يكره لبسها، وعلى مشروعية المسح على الخفين، وعلى اشتراط الطهارة لصحة المسح عليهما، وعلى أنه لا يصح الوضوء إلا بتعميم غسل اليدين إلى المرفقين ولا يكفى فيه غسل ما ظهر منهما ومسح ما ستر بالكمّ ولو ضيقا ولذا أخرج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يده من تحت الجبة ولم يكتف بالمسح على ما بقى من ذراعيه، وعلى جواز الانتفاع بثياب الكفار ما لم تتحقق نجاستها لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لبس الجبة الرّومية.
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم مطوّلا ومختصرا والطحاوى في شرح معانى الآثار مختصرا وأخرجه البيهقى من عدّة طرف.

الصفحة 113