كتاب المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (اسم الجزء: 2)

جميع البدع التى شاعت وذاعت وعمت البقاع وعكف عليها غالب الناس وملأ بها بعض متأخرى المؤلفين كتبهم وأحلوها محل سنن نبيهم واستحنوها وقدّموها في العمل على الشرع واعتقد العامة أنها هى الدين الوارد عن الربّ اللطيف وما عقلوا أنهما من ترّهات المتساهلين المخطئين الغافلين عن معرفة الدين ومن ثمّ ضاعت معالم الشرع القويم وبلغ مراده من الضلال والإضلال إبليس الرجيم وغفل أولئك المغرورون الواضعون البدع مكان سنن النبى المختار صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن معنى قوله تعالى "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" رواه أبو داود والترمذى وكذا ابن ماجه وزاد "وكل ضلالة في النار" (إلى) غير ذلك من الآيات والأحاديث الناطقة بأنه لا يتدين إلا بما ورد عن سيد المرسلين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأن فعل البدع هلاك ومقت من رب العالمين. من أجل ذلك تبرّأت الصحابة والأئمة المجتهدون والسلف الصالح من كل قول أو فعل أو تقرير يخالف قول أو فعل أو تقرير سيد الأولين والآخرين نسأله سبحانه وتعالى أن يهدينا أجمعين
(قوله وقد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) هو كالتعليل لمحذوف وتقدير الكلام لو كان الدين بالرأى لكان أسفل الحفّ أولى بالمسح من أعلاه لكن أسفل الخفّ ليس أولى بالمسح لأني رأيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسح على ظهر خفيه، وهو يفيد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح على أعلى الخفين فقط. وفي رواية ابن حيوة الآتية أنه صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم مسح أعلى الخفين وأسفلهما. ولا منافاة بينهما فقد كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقتصر على مسح الأعلى أحيانا ويمسح الأعلى والأسفل أحيانا
(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الاكتفاء بمسح أعلى الخف وتقدّم بيانه
(من روى الحديث أيضا) رواه الدارقطني والبيهقى قال الحافظ في التلخيص إسناده صحيح وقال في بلوغ المرام إسناده حسن

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الْأَعْمَشِ - بِإِسْنَادِهِ - قَالَ: «مَا كُنْتُ أَرَى بَاطِنَ الْقَدَمَيْنِ إِلَّا أَحَقَّ بِالْغَسْلِ، حَتَّى» رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَهْرِ خُفَّيْهِ "
(ش) (رجال الحديث)
(قوله محمد بن رافع) بن أبى يزيد القشيرى أبو عبد الله

الصفحة 146