كتاب المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (اسم الجزء: 2)
إليه أن ريحا خرج منه فلا يتوضأ إلا أن يوقن بخلاف ما إذا شك أبال أو تغوّط أم لا فإنه ينتقض وضوءه أخذا بظاهر حديث الباب لكن قد علمت أن التقييد بسماع الريح ووجدانه خرج مخرج الغالب فلا يفيد التقييد وأما إذا تيقن الحدث وشك أتوضأ أم لا فعليه الوضوء اتفاقا وإذا تيقن كلا من الطهارة والحدث وشك في السابق منهما ففيه خلاف والظاهر أنه كمن تيقن الحدث وشك في الطهارة (ومن القاعدة) المأخوذة من الحديث التى هي أن الأصل واليقين لا يطرح حكمهما بالشك يتفرّع عدّة فروع ذكرها النووى فقال لو كان مع الشخص ماء أو مائع من لبن أو عسل أو دهن أو طبيخ أو ثوب أو عصير أو غيرها مما أصله الطهارة وتردد في نجاسته فلا يضرّ تردده وهو باق على طهارته، وسواء أكان تردده بين الطهارة والنجاسة مستويا أم ترجح احتمال النجاسة، وكذا لو شك في طلاق أو عتق أو حدث أو طهارة أو حيض زوجته وأمته فله البناء على الأصل ولا يلزمه شيء من هذا كله ما لم يستند الظن إلى سبب معين فإن استند كمسألة بول الحيوان في ماء كثير إذا تغير ومسألة المقبرة المشكوك في نبشها وثياب المتدينين باستعمال النجاسة وغير ذلك فلها أحكام ففى بعضها يعمل بالظاهر بلا خلاف كمسألة بول الحيوان وفي بعضها قولان كمسألة المقبرة ونحوها وفي آنية الكفار المتدينين باستعمال النجاسة وجهان (أحدهما) أنها محكوم بنجاستها عملا بالظاهر (والثاني) بطهارتها عملا بالأصل والثانى هو الأصح وقد أجرى الخراسانيون القولين في ثياب مدمني الخمر والقصابين (أى الجزّارين) وشبههم ممن يخالط النجاسة ولا يتصوّن منها مسلما كان أو كافرا وقالوا كل مسألة تعارض فيها أصل وظاهر أو أصلان ففيها قولان (فرع) واشتدّ إنكار الشيخ أبى محمد في كتاب التبصرة على من لا يلبس ثوبا جديدا حتى يغسله لما يقع ممن يعاني قصر الثياب وتجفيفها وطيها من التساهل وإلقائها وهي رطبة على الأرض النجسة ومباشرتها لما يغلب على القلب نجاسته ولا يغسل بعد ذلك قال وهذه طريقة الحرورية الخوارج ابتلوا بالغلوّ في غير موضعه وبالتساهل في موضع الاحتياط قال ومن سلك ذلك فكأنه يعترض على أفعال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والصحابة والتابعين وسائر المسلمين فإنهم كانوا يلبسون الثياب الجديدة قبل غسلها وحال الثياب في ذلك في أعصارهم كحالها في عصرنا بلا شك ثم قال أرأيت لو أمرت بغسلها أكنت تأمن في غسلها أن يصيبها مثل هذه النجاسة المتوهمة فإن قلت أنا أغسلها بنفسى فهل سمعت في ذلك خبرا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو عن أحد من الصحابة أنهم وجهوا على الإنسان على سبيل الإيجاب أو الندب والاحتياط غسل ثوبه بنفسه احترازا من أوهام النجاسة (فرع) قال أبو محمد في التبصرة نبغ قوم يغسلون أفواههم إذا أكلوا خبزا ويقولون الحنطة تداس بالبقر وهي تبول وتروث في المداسة أياما طويلة ولا يكاد يخلو طحين ذلك عن نجاسته قال وهذا مذهب أهل الغلوّ
الصفحة 178
351