كتاب المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (اسم الجزء: 2)

تربت يداه) أى التصقت بالتراب وهى كلمة تستعمل في الأصل في الدعاء بالفقر وقد لا يراد بها أصلها كما هنا (قال) الجوهرى ترب الشئ بكسر الراء أصابه التراب ومنه ترب الرجل افتقر كأنه لصق بالتراب يقال تربت يداك وهو على الدعاء أى لا أصبت خيرا اهـ (وقال) الخطابى تربت يداه كلمة تقولها العرب عند اللوم ومعناها الدعاء عليه بالفقر والعدم وقد يطلقونها في كلامهم وهم لا يريدون وقوع الأمر كما قالوا عقرى حلقي وثكلته أمه فإن هذا الباب لما كثر في كلامهم ودام استعمالهم له في خطابهم صار عندهم بمعنى اللغو كقولهم بلى والله ولا والله وذلك من لغو اليمين الذى لا اعتبار به ولا كفارة فيه ويقال ترب الرجل إذا افتقر وأترب بالألف إذا استغنى ومثل هذا قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعليك بذات الدين تربت يداك اهـ وإنما قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك لأنه كان الأنسب لبلال أن لا يعجل بإعلامه بالصلاة وهو على الطعام مع الضيف بل كان ينبغى له الانتظار حتى يفرغ لكن لما أعلمه بها أسرع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالقيام تأدبا وامتثالا لأمر مولاه ومسارعة إلى طاعته، ولا يقال إن هذا مخالف لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدءوا بالعشاء رواه البخارى، لأن هذا محمول على غير الإمام الراتب (قال) في الفتح واستدلّ البخارى بهذا الحديث "أى حديث الباب" على أن الأمر بتقديم العشاء على الصلاة خاص بغير الإمام الراتب اهـ (وأجيب) أيضا بأنه محمول على الصائم بخلاف حديث الباب (قال) الخطابى ليس هذا الصنيع من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمخالف لقوله إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء وإنما هو للصائم الذى قد أصابه الجوع وتاقت نفسه للطعام فأمر بأن يصيب من الطعام قدر ما يسكن شهوته لتطمئن نفسه في الصلاة ولا تنازعه شهوة الطعام وهذا فيمن حضره الطعام وهو متماسك في نفسه ولا يزعجه الجوع ولا يعجله عن إقامة الصلاة وإيفاء حقها اهـ ووافقه على ذلك جماعة
(قوله زاد الأنبارى وكان شاربى وفى) أى طال وهو من قول المغيرة بن شعبة، والشارب الشعر النابت على الشفة العليا ويقال شاربان باعتبار الطرفين وجمعه شوارب. واختلف في جانبيه وهما السبالان قيل هما من الشارب فيشرع قصهما وقيل من جملة اللحية، ووفى على وزن رمى وفى بعض النسخ وفاء بالمد. وفي بعضها وفيا أى طويلا يقال وفى الشئ بنفسه يفى بالكسر وفيا أى تمّ وكثر
(قوله فقصه لى على سواك) أى قطع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما ارتفع من شعر الشارب فوق السواك، وفى رواية البيهقى فوضع السواك تحت الشارب فقص عليه، وفي رواية البزّار عن عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبصر رجلا وشاربه طويل فقال ائتونى بمقصّ وسواك فجعل السواك على طرفه ثم أخذ ما جاوزه
(قوله

الصفحة 215