كتاب المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (اسم الجزء: 2)

رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند عمر بن الخطاب الغسل من الجنابة فقال بعضهم إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل وقال بعضهم إنما الماء من الماء فقال عمر قد اختلفتم عليّ وأنتم أهل بدر الأخيار فكيف بالناس بعدكم فقال عليّ بن أبي طالب يا أمير المؤمنين إن أردت أن تعلم ذلك فأرسل إلى أزواج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسلهن عن ذلك فأرسل إلى عائشة فقالت إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل فقال عمر عند ذلك لا أسمع أحدا يقول الماء من الماء إلا جعلته نكالا (قال) الطحاوى فهذا عمر قد حمل الناس على هذا بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم ينكر ذلك عليه منكر اهـ وبما رواه مسلم عن أبي موسى الأشعرى قال اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار فقال الأنصاريون لا يجب الغسل إلا من الدفق أو من الماء وقال المهاجرون بل إذا خالط وجب الغسل قال أبو موسى فأنا أشفيكم من ذلك فقمت فاستأذنت على عائشة فأذن لى فقلت لها يا أماه أو يا أم المؤمنين إنى أريد أن أسألك عن شيء وإني أستحييك فقالت لا تستحيى أن تسألني عما كنت سائلا عنه أمك التي ولدتك فإنما أنا أمك قلت فما يوجب الغسل قالت على الخبير سقطت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا جلس بين شعبها الأربع ومسّ الختان الختان فقد وجب الغسل "فإن قيل" إن المنسوخ لا بدّ أن يكون حكما شرعيا وعدم وجوب الغسل بالإيلاج من غير إنزال ثابت بالبراءة الأصلية فلا نسخ فيه "أجيب" بأنه ثابت بالشرع إذ مفهوم الحصر المستفاد من الجملة المعرّفة الطرفين "الماء من الماء" كما في بعض الروايات أو من "إنما" كما في البعض الآخر يفيد إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه فكأنه قال لا غسل من غير إنزال المنيّ فهو مستفاد من الأحاديث لا من البراءة الأصلية، وهناك روايات أخر تدلّ على نسخ حديث الماء من الماء وما في معناه وقد صح أن بعض من روى عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الرخصة أفتى بوجوب الغسل ورجع عن الأول (قال) في سبل السلام حديث الغسل وإن لم ينزل أرجح لو لم يثبت النسخ لأنه منطوق في إيجاب الغسل وذلك مفهوم والمنطوق مقدّم على العمل بالمفهوم وإن كان المفهوم موافقا للبراءة الأصلية والآية تعضد المنطوق في إيجاب الغسل فإنه تعالى قال "وإن كنتم جنبا فاطهروا" قال الشافعى إن كلام العرب يقتضى أن الجنابة تطلق بالحقيقة على الجماع وإن لم يكن فيه إنزال قال فإن كل من خوطب بأن فلانا أجنب عن فلانه عقل أنه أصابها وإن لم ينزل، ولم يختلف أن الزنا الذى يجب به الجلد هو الجماع ولو لم يكن معه إنزال فتعاضد الكتاب والسنة على إيجاب الغسل من الإيلاج اهـ
(فقه الحديث) دلّ الحديث على وجوب الغسل بالجماع وإن لم يحصل إنزال، وعلى أن

الصفحة 275