كتاب المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (اسم الجزء: 2)

إذا خالف المرفوع إلا أن يكون إجماعا (وقال) المزني وداود وابن المنذر يجوز للجنب الحائض المكث في المسجد مطلقا بوضوء وبغير وضوء واستدلوا بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "المسلم لا ينجس" رواه البخارى ومسلم وغيرهما عن أبى هريرة، وبقياس الجنب على المشرك قالوا إن المشرك يجوز له المكث في المسجد فالمسلم الجنب أولى (وأجيب) عن الحديث بأنه لا يلزم من عدم نجاسته جواز لبثه في المسجد. وعن القياس من وجهين (أحدهما) أن الشرع فرّق بينهما فقد قام الدليل على تحريم مكث الجنب وثبت أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حبس بعض المشركين في المسجد. وإذا فرّق الشرع بينهما لم يجز التسوية (والثاني) أن الكافر لا يعتقد حرمة المسجد فلا يكلف بها بخلاف المسلم وهذا كما أن الحربى لو أتلف على المسلم شيئا لم يلزمه ضمانه بخلاف المسلم والذمى (وأما الحائض) والنفساء فعند الحنفية يمنع دخولهما المسجد كالجنب وكذا عند المالكية إلا لضرورة من خوف على نفس أو مال (وقالت) الشافعية والحنابلة يجوز عبورهما إن أمنتا من تلويثه ويمنع مكثهما مطلقا عند الشافعية ويجوز عند الحنابلة إن انقطع الدم وتوضأتا (فوائد) "الأولى" لو احتلم أحد في المسجد وجب عليه الخروج فورا إلا أن يعجز عن الخروج لإغلاق المسجد أو خوف على نفس أو مال فيجوز له البقاء للضرورة، ولو احتلم في مسجد له بابان أحدهما أقرب من الآخر خرج من الأقرب إلا لحاجة فيخرج من الأبعد "الثانية" يجوز للمحدث حدثا أصغر المكث في المسجد اتفاقا سواء لغرض شرعي كانتظار صلاة أو تعلم علم أو لغير غرض. وقيل يكره إن كان لغير غرض. والحق خلافه لأنه لم ينقل عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا عن أحد من أصحابه كراهة ذلك "الثالثة" اختلف العلماء في النوم في المسجد (فذهب) إلى جوازه مطلقا بغير كراهة سعيد بن المسيب والحسن البصرى وعطاء ومحمد ابن سيرين والشافعية وقالوا محله ما لم يضيق على مصلّ أو يشوّش عليه وإلا حرم ويدلّ لهم قول ابن عمر كنا نبيت فيه ونقيل على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رواه ابن ماجه وما رواه البخارى عن ابن عمر أيضا أنه كان ينام وهو شابّ أعزب لا أهل له في مسجد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وما رواه أيضا عن أبى حازم عن سهل بن سعد قال جاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت فقال أين ابن عمك قالت كان بيني وبينه شئ فغاضبنى فخرج فلم يقل عندى فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لإنسان انظر أين هو فجاء فقال يا رسول الله هو راقد في المسجد فجاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب فجعل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسحه عنه ويقول قم أبا تراب (قال النووى) ثبت أن أصحاب الصفة والعرنيين وصفوان ابن أمية وجماعات آخرين من الصحابة كانوا ينامون في المسجد وأن ثمامة بن إثال كان يبيت في

الصفحة 313