كتاب المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (اسم الجزء: 2)

لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما نزّل إلينا فداوم على المضمضة والاستنشاق ولم يحفظ أنه أخلّ بهما مرّة واحدة كما ذكره ابن القيم في الهدى، ولم ينقل عنه أنه غسل باطن العين مرة واحدة. على أنه قد ذهب إلى وجوب غسل باطن العين ابن عمر والمؤيد بالله. وروى في البحر عن الناصر والشافعى أنه يستحب، واستدل لهم بظاهر الآية (ومنها) ما تقدم عند الدارقطني من توضأ فليتمضمض وليستنشق، وما رواه أيضا عن أبى هريرة بلفظ أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالمضمضة والاستنشاق، ومنها حديث عائشة بلفظ إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذى لا بدّ منه رواه البيهقى من طريق عصام بن يوسف عن ابن المبارك عن ابن جريج عن سليمان بن يسار عن الزهرى عن عروة عنها "ومنها" ما أخرجه أحمد والشافعى وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي وأهل السنن من حديث، طويل عن لقيط بن صبرة وفيه وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما، وسيأتي للمصنف في باب في الاستنثار وفي رواية له إذا توضأت فمضمض قال الحافظ في الفتح إن إسنادها صحيح، وردّ في التلخيص ما أعلّ به حديث لقيط من أنه لم يرو عن عاصم بن لقيط بن صبرة إلا إسماعيل بن كثير وليس بشئ لأنه روى عنه غيره وصححه الترمذى والبغوى وابن القطان وقال النووى هو حديث صحيح رواه أبو داود والترمذى وغيرهما بالأسانيد الصحيحة اهـ وقد اعترف جماعة من الشافعية وغيرهم بضعف دليل من قال بعدم وجوب المضمضة والاستنشاق والاستنثار. قال الحافظ في الفتح وذكر ابن المنذر أن الشافعى لم يحتج على عدم وجوب الاستنشاق مع صحة الأمر به إلا بكونه لا يعلم خلافا في أن تاركه لا يعيد وهذا دليل فقهى فإنه لا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة والتابعين إلا عن عطاء "وقال" في النيل إذا تقرر هذا علمت أن المذهب الحق وجوب المضمضة والاستنشاق والاستنثار في الوضوء والغسل اهـ ببعض تصرف. لكن قد علمت مما تقدّم أن داخل الفم والأنف ليس من مسمى الوجه في لغة العرب لأن الوجه ما تقع به المواجهة فالأمر بغسل الوجه ليس أمرا بهما. ولا يقال إن إخراجهما من مسمى الوجه لتسميتهما باسم خاص بهما بل لعدم شموله لهما وأن مداومته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المضمضة والاستنشاق محمولة على الاستحباب كالأوامر الواردة بهما جمعا بين الأدلة، قال النووى ولأن في الوضوء غسل الكفين والتكرار وغيرهما مما ليس بواجب بالإجماع (فتبين لك مما ذكر) أن المذهب الأول هو الراجح. قال النووى في شرح مسلم وعلى أى صفة أوصل الماء إلى الفم والأنف حصلت المضمضة والاستنشاق وفي الأفضل خمسة أوجه (الأول) يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات يتمضمض من كل واحدة ثم يستنشق منها (الثاني) يجمع بينهما بغرفة

الصفحة 7