كتاب المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (اسم الجزء: 4)

الحديثين فيحملان على أن ذلك كان قبل مشروعية الأذان الأول فإن بلالا كان المؤذن الأول الذى أمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عبد الله بن زيد أن يعلمه الأذان ثم اتخذ ابن أم مكتوم بعد مؤذنا معه فكان بلال يؤذن أولا لإرجاع القائم وإيقاظ النائم فإذا طلع الفجر أذن ابن أم مكتوم (قال مالك) لم تزل صلاة الصبح ينادى لها قبل الفجر "يعني في أول السدس الأخير من الليل" فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نرها ينادى لها إلا بعد أن يحلّ وقتها (قال الزرقاني) قال الكرخى من الحنفية كان أبو بوسف يقول بقول أبى حنيفة لا يؤذن لها حتى أتى المدينة فرجع إلى قول مالك وعلم أنه عملهم المتصل اهـ (واختلف القائلون) بجواز الأذان قبل الفجر في الوقت الذى يكون فيه (فقيل وقت السحر) ورجحه جماعة من أصحاب الشافعى. وهو ظاهر مذهب المالكية. وقيل نصف الليل الأخير ورجحه النووى. وقيل يكون في السبع الأخير في الشتاء وفي نصف السبع في الصيف وبه قال الجوينى. وقيل وقته الليل جميعه ذكره صاحب العمدة. وكأن دليله إطلاق قوله في الحديث إن بلالا يؤذن بليل. وقيل بعد آخر اختيارىّ العشاء. والظاهر أنه يكون وقت السحر ويؤيده ما رواه النسائى والطحاوى من حديث عائشة أنه لم يكن بين أذان بلال وابن أم مكتوم إلا أن يرقى هذا وينزل هذا وكانا يؤذنان في بيت مرتفع (وهل يكتفى) بالأذان قبل الفجر للصلاة أم يعاد بعده فذهبت الشافعية والحنابلة إلى أنه يكتفي به للصلاة. وعند المالكية قولان أرجحهما عدم الاكتفاء

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَيُّوبَ، إِلَّا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ».
(ش) أى لم يرو هذا الحديث مرفوعا عن أيوب السختياني إلا حماد بن سلمة. وغرض المصنف بهذا الإشارة إلى ضعف الحديث (قال في الفتح) قد وجد لحماد متابع في روايته فقد أخرجه البيهقي والدارقطني من طريق سعيد بن زربيّ عن أيوب موصولا. وسعيد ضعيف. ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أيضا ولم يذكر نافعا ولا ابن عمر. وله طريق أخرى عن نافع عند الدارقطني اختلف في رفعها ووقفها. وأخرى مرسلة من طريق يونس بن عبيد عن حميد بن هلال. وأخرى من طريق سعيد عن قتادة مرسلة وهذه طرق يقوى بعضها بعضا اهـ لكن قد علمت أنه على تقدير رفعه وصحته محمول على أن ذلك كان قبل مشروعية الأذان الأوّل
(فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه ينبغى للمؤذن أن يتحرّى الوقت، وعلى أنه يجوز عليه الخطأ مهما اجتهد، وعلى أنه إن تحرّى وظهر له الخطأ يطلب منه أن يعلم الناس به، وعلى أن الإنسان يطلب منه أن يطيع كبيره ولا سيما في أمور الدين، وعلى أنه لا يجوز الأذان للصبح قبل دخول وقتها. وقد علمت ما فيه

الصفحة 212