كتاب المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (اسم الجزء: 4)

في بيته ثم أتى المسجد فأدرك الجماعة أن يصلى معهم سواء أكانت الصلاة التي صلاها في منزله فرادى أم جماعة وسواء أكانت الصبح أم العصر أم المغرب أم غيرها. وبه قال علىّ بن أبى طالب وحذيفة وأنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم وسعيد بن المسيب وابن حبيب والزهرى وأحمد إلا أنهم قالوا في المغرب يضيف إليها ركعة أخرى لتصير شفعا (وبهذا قالت) الشافعية لكنهم لم يقولوا بإضافة ركعة في المغرب (وقال ابن مسعود) ومالك والأوزاعي والثورى يعيد الصلوات في الجماعة إلا المغرب لئلا تصير شفعا. لكن حمل مالك الحديث على ما إذا صلى الصلاة أوّلا منفردا (وقال أبو حنيفة) وصاحباه يعيد الظهر والعشاء (وقال ابن عبد البرّ) قال جمهور الفقهاء إنما يعيد الصلاة مع الإمام في جماعة من صلى وحده في بيته أو في غير بيته. أما من صلى في جماعة وإن قلت فلا يعيد في أخرى قلت أو كثرت. ولو أعاد في جماعة أخرى لأعاد في ثالثة ورابعة إلى ما لا نهاية له وهذا لا يخفى فساده اهـ (قال الخطابى) في الحديث من الفقه أن من كان صلى في رحله ثم صادف جماعة يصلون كان عليه أن يصلى معهم أية صلاة كانت من الصلوات الخمس وهو مذهب الشافعى وأحمد وإسحاق وبه قال الحسن والزهرى. وقال قوم يعيد المغرب والصبح وكذلك قال النخعى. وحكى ذلك عن الأوزاعي وكان مالك والثورى يكرهان أن يعيدا صلاة المغرب. وكان أبو حنيفة لا يرى أن يعيد صلاة العصر والمغرب والفجر إذا كان قد صلاهنّ (وظاهر الحديث) حجة على من منع من شيء من الصلوات كلها ألا تراه صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه ولم يستثن صلاة دون صلاة اهـ وقوله فإنها له نافلة أى أن الصلاة المعادة في الجماعة نافلة (قال الخطابى) فيه دليل على أن صلاة التطوّع جائزة بعد الفجر قبل طلوع الشمس إذا كان لها سبب. وأما نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس فقد تأولوه على وجهين (أحدهما) أن ذلك على معنى إنشاء الصلاة ابتداء من غير سبب وأما إذا كان لها سبب مثل أن يصادف قوما يصلون جماعة فإنه يعيدها معهم ليحرز الفضيلة (والوجه الآخر) أنه منسوخ وذلك أن حديث يزيد بن الأسود متأخر لأن في قصته أنه شهد مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حجة الوداع اهـ (قال العينى) أما قوله إن ذلك على معنى إنشاء الصلاة ابتداء من غير سبب فغير مسلم لأن هذا تخصيص من غير مخصص فنهاية ما في الباب أنهم احتجوا بأنه صلى الله عليه وآله وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر وقاسوا عليها كل صلاة لها سبب حتى قال النووى هو عمدة أصحابنا في المسألة وليس لهم أصح دلالة منه. ولكن يخدشه ما ذكره الماوردى منهم وغيره من أن ذلك من خصوصياته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وقال) الخطابى كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مخصوصا بهذا دون الخلق (وقال) ابن عقيل لا وجه له إلا هذا الوجه

الصفحة 286