كتاب المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (اسم الجزء: 4)

(وقال) الطبرى فعل ذلك تنبيها لأمته أن نهيه كان على وجه الكراهة لا التحريم اهـ وأما قوله إنه منسوخ فغير صحيح لأن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ما برح النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى أن توفي ولو كان منسوخا لعمل بناسخه مع أنه كان يضرب على الركعتين بعد العصر بمحضر من الصحابة من غير نكير فدلّ هذا على أن النهى ليس بمنسوخ وأن الركعتين بعد العصر مخصوصة به دون أمته (وقال) أبو جعفر الطحاوى ويدلّ على الخصوصية أن أم سلمة هي التي روت صلاته إياهما قيل لها أفنقضيهما إذا فاتتا بعد العصر قالت لا اهـ والأولى أن حديث الباب مخصص لأحاديث النهى عن الصلاة بعد الفجر والعصر (قال في النيل) حديث الباب يدل على مشروعية الدخول مع الجماعة بنية التطوّع لمن كان قد صلى تلك الصلاة وإن كان الوقت وقت كراهة للتصريح بأن ذلك كان في صلاة الصبح فيكون حديث الباب مخصصا لعموم الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد صلاة الصبح. ومن جوّز التخصيص بالقياس ألحق به ما سواه من أوقات الكراهة اهـ (والحديث صريح) في أن الصلاة الثانية نافلة والأولى هي الفريضة سواء أصليت في جماعة أم فرادى لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك الاستفصال في قولهما صلينا في رحالنا. وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزّل منزلة العموم في المقال، وروى ذلك عن عليّ وبه قال الثورى وأبو إسحاق وأبو حنيفة والشافعى في الجديد والحنابلة. مستدلين بحديث الباب وأشباهه. قالوا لأن الأولى قد وقعت فريضة وأسقطت الفرض لأنها لا تجب ثانيا وإذا برئت الذمة بالأولى استحال كون الثانية فريضة وجعل الأولى نافلة. ولأن تأدية الصلاة الثانية بنية الفريضة يستلزم أن تصلى الصلاة الواحدة في اليوم مرّتين وقد نهى الشارع عنه كما يأتي للمصنف من حديث ابن عمر مرفوعا لا تصلوا صلاة في يوم مرّتين. وأخرجه النسائى أيضا وابن حبان وابن خزيمة. ويدلّ لهم أيضا ما رواه الدارقطنى من طريق الحجاج بن أرطاة عن يعلى بن عطاء عن عبد الله بن عمر عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفيه فقاله لا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجدا فصليا معهم فتكون لكما نافلة والتى في رحالكما فريضة (وهذا) هو المختار لقوّة أدلته (وقال الشافعى) في القديم إن فرضه إحداهما لا بعينها ويحتسب الله بما شاء (قال) النووى وعبر بعض أصحابنا عن هذا القول. أن الفرض أكملهما (وذهب الأوزاعي) إلى أن كلا منهما فرض. ووجهه بأن كلا منهما مأمور به والأولى مسقطة للحرج لا مانعة من وقوع الثانية فرضا (قال) النووى وهذا كما قال أصحابنا في صلاة الجنازة إذا صلتها طائفة سقط الحرج عن الباقين فلو صلت طائفة أخرى وقعت الثانية فرضا أيضا فتكون الأولى مسقطة للحرج عن الباقين لا مانعة من وقوع فعلها فرضا. وهذا الحكم في جميع قروض الكفاية (وأما كيفية) النية فعلى القديم ينوى بالثانية الفرض أيضا. وعلى الجديد فالأكثرون ينوى بها الفرض. وقيل

الصفحة 287