كتاب المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (اسم الجزء: 4)

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد قال إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أقرؤكم فكان المؤذن مأمورا بالأذان والإمام مأمورا بالإمامة ونصّ هذا الخبر ووجدناه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد قال رفع القلم عن ثلاثة عن الصبىّ حتى يبلغ "الحديث" فصحّ أنه غير مأمور ولا مكلف فإذا هو كذلك فليس هو المأمور بالأذان ولا بالإمامة. وإذ ليس مأمورا بهما فلا يجزئان إلا من مأمور بهما لا ممن لم يؤمر بهما. ومن ائتمّ بمن لم يؤمر أن يأتمّ به وهو عالم بحاله فصلاته باطلة. فإن لم يعلم بأنه لم يبلغ وظنه رجلا بالغا فصلاة المؤتمّ به تامة كمن صلى خلف جنب أو كافر لا يعلم بهما ولا فرق وبالله التوفيق. وأما كلام من فرق بين إمامة من لم يبلغ في الفريضة وبين إمامته في النافلة فكلام لا وجه له أصلا لأنه دعوى بلا برهان اهـ ملخصا (وقال أبو حنيفة) ومالك وأحمد لا تصح إمامته في المكتوبة وعنهما في النافله روايتان. وقال الزهري إذا اضطروا إليه أمهم (واستدلّ) القائلون بالمنع بما رواه النسائى والمصنف عن عليّ عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال رفع القلم عن ثلاثة عن الصبى حتى يبلغ "الحديث" فإنه يفيد أن الصبى غير مكلف وصلاته نافلة فلا يجوز الاقتداء به. وبما رواه الأثرم عن ابن مسعود لا يؤمّ الغلام حتى تجب عليه الحدود. وبما رواه أيضا عن ابن عباس قال لا يؤمّ الغلام حتى يحتلم قالوا وإن الإمام ضامن وليس هو من أهل الضمان لأنه غير مكلف فأشبه المجنون. ولأنها حال كمال وليس هو من أهل الكمال فأشبه المرأة (وأجابوا) عن الحديث بأن ذلك كان في ابتداء الإسلام حين لم تكن صلاة المقتدين متعلقة بصلاة الإمام (وقال الخطابي) إن الإمام أحمد كان يضعف حديث عمرو بن سلمة وقال مرّة دعه ليس بشئ بين اهـ (قال في النيل) وردّ بأن عمرو بن سلمة صحابيّ مشهور وقال في التقريب صحابىّ صغير نزل بالبصرة. وقد ورد ما يدلّ على أنه وفد على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وأما القدح في الحديث بأن فيه كشف العورة وهو لا يجوز كما في ضوء النهار فهو من الغرائب وقد ثبت أن الرجال كانوا يصلون عاقدى أزرهم ويقال للنساء لا ترفعن رءوسكن حتى يستوى الرجال جلوسا. وقال في الفتح عمرو بن سلمة مختلف في محبته ففى هذا الحديث أن أباه وفد وفيه إشعار بأنه لم يفد معه. وأخرج ابن منده من طريق حماد ابن سلمة عن أيوب بهذا الإسناد ما يدلّ على أنه وفد أيضا. وكذلك أخرجه الطبراني اهـ ويؤخذ من هذا أن عمرا المذكور يعتمد على حديثه لأنه إما صحابى أو تابعى وقد صلى بالصحابة إماما (قال في سبل السلام) إن دليل جواز إمامة الصبي وقوع ذلك في زمن الوحى. ولا يقرّ فيه على فعل ما لا يجوز سيما في الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام. وقد نبه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالوحى على الأذى الذى كان في نعله فلو كانت إمامة الصبي لا تصح لنزل الوحى بذلك على أن الوفد الذى قدّموا عمرا كانوا جماعة من الصحابة. واحتمال أنه أمهم في نافلة يبعده

الصفحة 302