كتاب المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (اسم الجزء: 8)
رأيت أبا هريرة قرأ (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) فسجد بها، فقلت يا أبا هريرة ألم أرك تسجد قال لو لم أر النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسجد لم أسجد
(قوله حتى ألقاه) أي حتى أموت وألقى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وفي رواية للنسائي عن أبي رافع قال صليت خلف أبي هريرة صلاة العشاء يعني صلاة العتمة فقرأ سورة (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) فسجد فيها فلما فرغت قلت يا أبا هريرة هذه سجدة ما كنا نسجدها قال سجد بها أبو القاسم صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنا خلفه فلا أزال أسجد بها حتى ألقى أبا القاسم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم
(وفي هذا) دلالة على مشروعية قراءة سورة في الصلاة فيها آية سجدة. ومشروعية سجود التلاوة في الصلاة ويؤيده رواية ابن خزيمة عن أبي الأشعث عن المعتمر بهذا السند بلفظ صليت مع أبي القاسم فسجد بها. وأخرجه أبو عوانة من طريق يزيد بن هارون عن سيمان بلفظ صليت مع أبي القاسم فسجد فيها.
وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء ولم يفرقوا بين صلاة الفريضة والنافلة ولا بين السرية والجهرية ولا بين الإِمام والفذ.
وذهب مالك في رواية ابن القاسم عنه وكذا أصحابه إلى أنه يكره للإمام والفذ القراءة بالسجدة في الفريضة مطلقًا، وحديث الباب ظاهر في خلاف ما ذهبوا إليه.
وروى أشهب عن مالك أنه يكره إلا أن يكون وراءه عدد قليل لا يخلط عليهم إذا سجد وروى عنه ابن وهب لا بأس أن يقرأ الإِمام بالسجدة في فريضة.
وذهب أبو حنيفة وأحمد
وابن حبيب من المالكية إلى أنه يكره له في السرية خشية التخليط فيها على المأمومين دون الجهرية لأمن التخليط فيها.
ولكن يرده ما رواه أحمد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في الركعة الأولى من صلاة الظهر فرأى أصحابه أنه قرأ تنزيل السجدة وتقدم للمصنف نحوه بلفظ أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سجد في صلاة الظهر ثم قام فركع فرأينا أنه قرأ تنزيل السجدة. ولا حجة لهم في قول أبي رافع لأبي هريرة في حديث الباب ما هذه السجدة ولا في قول أبي سلمة له في رواية البخاري ألم أرك تسجد لأنهما لم ينكرا عليه بعد أن أعلمهما بما وقع منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا احتجا عليه بالعمل على خلاف ذلك. قال ابن عبد البر وأي عمل يدعى مع مخالفة المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والخلفاء الراشدين بعده اهـ.
وذهب القاسم والهادي والمؤيد بالله إلى أنه لا سجود للتلاوة في الفرض فإن سجد بطلت صلاته.
واستدلوا بما يأتي للمصنف في "باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب" عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ علينا السورة في غير الصلاة فيسجد ونسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكانا لوضع جبهته. ورد بأنه لا يدل على ذلك لأن سجوده في غير الصلاة لا ينافي سجوده فيها الثابت بالأدلة الصحيحة. على أن استدلالهم بالحديث نظرا إلى المفهوم وهولا يعارض المنطوق
الصفحة 29
352