كتاب المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (اسم الجزء: 8)
ورواه ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب مختصرًا بلفظ إنما السجدة على من سمعها.
ورواه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب قال قال عثمان إنما السجدة على من جلس لها واستمع. وذكر البخاري أن السائب كان لا يسجد لسجود القاصّ أي الذي يقص على الناس الأخبار والمواعظ. والمشهور عند الشافعي أنه لا يشترط قصد الاستماع وإن كان في حق المستمع آكد.
أما إذا لم يسجد القارئ ففي سجود المستمع خلاف فقالت الحنفية والشافعية يسجد ولو لم يسجد القارئ لتحقق السبب الذي هو سماع آية السجدة فلو سمعها ممن لا تجب عليه الصلاة لصغر أو جنون غير مطبق أو حيض أو نفاس يسجد على الصحيح عند الشافعية. وروى ابن القاسم عن مالك أن المستمع يسجد ولو تركه القارئُ وهو مشهور المذهب لأن السجود يطلب من القارئ والمستمع فإذا ترك القارئُ, ما ندبه إليه الشارع فعلى المستمع أن يأتي به. وروى مطرت وابن الماجشون أنه لا يسجد المستمع لأن القارئ إمام له فلا تصح مخالفته. وبهذا قالت الحنابلة. وهذا هوالذي يشهد له ما تقدم عن الشافعي عن عطاء مرسلًا أن رجلًا قرأ عند النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السجدة فسجد فسجد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد فلم يسجد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله قرأ فلان عندك السجدة فسجدت وقرأت فلم تسجد فقال النبي صلى الله تعالى عيله وعلى آله وسلم كنت أمامنا فلو سجدت سجدت.
وما تقدم عند أبي شيبة عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم أن غلامًا ما قرأ عند النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السجدة فانتظر الغلام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يسجد فلما لم يسجد قال يا رسول الله أليس في هذه السجدة سجود قال بلى ولكنك كنت إمامنا فيها ولو سجدت لسجدنا
(ومن هذا) أخذت المالكية أن يكون القارئ مستكملًا لشروط الإمامة بأن يكون ذكرًا مسلمًا بالغًا عاقلًا فلا يسجد المستمع لقراءة امرأة ولا كافر ولا صبيّ ولا مجنون. قال في الموطأ سئل مالك عن امرأة قرأت السجدة ورجل معها يسمع عليه أن يسجد معها قال مالك ليس عليه أن يسجد معها, إنما تجب السجدة على القوم يكون معهم الرجل يأتمون به فيقرأ السجدة فيسجدون معه وليس على من سمع سجدة من إنسان يقرؤها ليس له بإمام أن يسجد تلك السجدة اهـ
وقوله ليس بإمام أي ليس صالحًا لأن يكون إمامًا له.
وبمثله قالت الحنابلة إلا أنهم قالوا يسجد لتلاوة صلى لأنه يصلح أن يكون إمامًا في النافلة
(الثانية) اختلف العلماء في حكم سجود التلاوة فذهب الجمهور إلى أنه سنة منهم عمر بن الخطاب وسلمان الفارسي وابن عباس وعمران بن حصين ومالك والشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود واستدلوا بالأحاديث الصحيحة. منها ما تقدم للمصنف في باب من
الصفحة 35
352