كتاب المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (اسم الجزء: 8)

الخمس المفروضات, وأحاديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه على خلاف ذلك لأنهم قد أوتروا وترًا مختلفًا في العدد, وكره غير واحد من الصحابة والتابعين الوتر بثلاث بلا تسليم في الركعتين كراهة أن يشبهوا التطوع بالفريضة. ودليل ثابت وهو أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أوتر على راحلته: قد ثبت ذلك عنه وفعله غير واحد من الصحابة والتابعين, وقد أجمعت الأمة على أن الصلاة المفروضة لا تجوز أن تصلى على الراحلة إلا عند الاضطرار ففي ذلك بيان أن الوتر تطوع وليس بفرض. ودليل رابع وهو أن الوتر يعمل به الخاص والعام من المسلمين في كل ليلة فلو كان فرضًا لما خفي وجوبه على العامة كما لم يخف وجوب الصلوات الخمس ولنقلوا علم ذلك كما نقلوا علم صلاة المغرب وسائر الصلوات أنها مفروضات قد توارثوا علم ذلك ينقله قرن عن قرن من لدن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى يومنا هذا لا يختلفون في ذلك ولا يتنازعون فلو كان الوتر فرضًا كسائر الصلوات لتوارثوا علمه ونقله قرن عن قرن كذلك.
كيف وقد روى عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم قالوا الوتر تطوع وليس بفرض. منهم علي بن أبي طالب ولا يجوز أن يكون مثل عليّ يجهل فريضة صلاة من الصلوات يحتاج إليها في كل ليلة حتى يجحد فرضها فيزعم أنها ليست بحتم, من ظن بعلي رضي الله تعالى عنه فقد أساء به الظن, وكذلك سائر الصحابة وجماعة من التابعين قد روي عنهم مفسرًا أن الوتر تطوع اهـ
وقد روى البيهقي عن عاصم بن ضمرة عن عليّ قال إن الوتر ليس بحتم كالصلاة المكتوبة ولكن سنة سنها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وروى أيضًا عن عبد الرحمن بن أبي عمرة أنه سأل عبادة بن الصامت عن الوتر فقال أمر حسن جميل عمل به النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والمسلمون من بعده وليس بواجب
(والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم وصححه وقال أبو المنيب "يعني عبيد الله العتكي" ثقة وثقه ابن معين أيضًا وقال أبو حاتم هو صالح الحديث وأنكر على البخاري إدخاله في الضعفاء: لكن تكلم فيه النسائي. وقال ابن حبان ينفرد عن الثقات بالمقلوبات. وقال البيهقي لا يحتج به

(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُدْعَى الْمُخْدَجِيَّ سَمِعَ رَجُلًا بِالشَّامِ يُدْعَى أَبَا مُحَمَّدٍ يَقُولُ إِنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ. قَالَ الْمُخْدَجِيُّ فَرُحْتُ إِلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ عُبَادَةُ كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ

الصفحة 46