كتاب المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (اسم الجزء: 8)

يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقنت شهرًا يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان، قال أنس فقرأنا فيهم قرآنًا ثم إن ذلك رفع "أي نسخ القرآن الذي نزل فيهم" بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا. وكان ذلك سببًا لبدء القنوت. فقد روى البخاري أيضًا عن أنس قال بعث النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبعين رجلًا لحاجة يقال لهم القراء فعرض لهم حيان من بني سليم رعل وذكوان عند بئر معونة، فقال القوم والله ما إياكم أردنا إنما نحن مجتازون في حاجة للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقتلوهم فدعا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شهرًا في صلاة الغداة وذلك بدء القنوت وما كنا نقنت
(وفي حديث الباب) دلالة على مشروعية القنوت في الصلوات المكتوبات كلها عند النوازل وعليه أكثر أهل العلم.
أما عند عدم النوازل فاتفقوا أيضًا على عدم القنوت في الظهر والعصر والمغرب والعشاء واختلفوا في الصبح. فقال جماعة إنه مشروع فيها، وممن قال به من الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عباس والبراء بن عازب، ومن غيرهم ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبو عثمان النهدي وأبو رافع وأبو إسحاق الفزاري ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحابه وعبد الرحمن بن مهدي وسعيد بن عبد العزيز ومحمد بن جرير وأبو حاتم وأبو زرعة.
وذهب جماعة إلى عدم مشروعيته فيها إذا لم تكن نازلة منهم ابن المبارك وابن عباس وابن مسعود وأبو الدرداء وأبو إسحاق وأصحابه وسفيان الثوري. واستدل الأولون بحديث الباب وبالحديث الثاني في الباب عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقنت في صلاة الصبح والمغرب.
وبما رواه الحاكم وصححه والدراقطني عن أنس من عدة طرق أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قنت شهرًا يدعو عليهم ثم تركه فأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا.
واستدل القائلون بعدم القنوت في الصبح عند عدم النازلة. بما رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي مالك الأشجعي قال قلت لأبي يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ها هنا بالكوفة قريبًا من خمس سنين أكانوا يقنتون؟ قال أي بني محدث: ورواه النسائي بلفظ صليت خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم يقنت وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت وصليت خلف عمر فلم يقنت وصليت خلف عثمان فلم يقنت وصليت خلف علي فلم يقنت ثم قال يا بني بدعة. ويدل لهم أيضًا ما أخرجه ابن حبان عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يقنت في

الصفحة 84