كتاب المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (اسم الجزء: 8)
النسك من الإفراد والقران والتمتع. وليس مقصودًا إلا ذكر هديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الذي كان يفعله هو فإنه قبلة القصد وإليه التوجه وعليه مدار التفتيش والطلب وهذا شيء والجائز الذي لا ينكر فعله وتركه شيء فنحن لم نتعرض لما يجوز ولما لا يجوز وإنما مقصودنا فيه هدى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الذي كان يختاره لنفسه فإنه أكمل الهدي وأفضله فإذا قلنا لم يكن من هديه المداومة على القنوت في الفجر ولا الجهر بالبسملة لم يدل ذلك على كراهية غيره ولا أنه بدعة ولكن هديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكمل الهدي وأفضله اهـ
وأطال الكلام في هذا المقام. إذا تقرر هذا علمت أنه لا وجه لمن خصص القنوت بالوتر أو الصبح وأنه إذا تركه في الصبح سجد للسهو مستدلًا بما في حديث أنس المتقدم من قوله فلم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا وقد علمت ما فيه. وأيضًا فقد قال الحافظ في التلخيص اختلفت الأحاديث عن أنس واضطربت فلا يقوم بمثل هذا حجة اهـ
قال الشوكاني الحق ما ذهب إليه من قال إن القنوت مختص بالنوازل وأنه ينبغي عند نزول النازلة ألا تختص به صلاة دون صلاة، وقد ورد ما يدل على هذا الاختصاص من حديث أنس عند ابن خزيمة في صحيحة ومن حديث أبي هريرة عند ابن حبان بلفظ كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد. وقد حاول جماعة من الشافعية الجمع بين الأحاديث بما لا طائل تحته وأطالوا الاستدلال على مشروعية القنوت في صلاة الفجر في غير طائل اهـ
ويؤخذ من حديث ابن عباس "حديث الباب" مشروعية تأمين المأمومين على دعاء الإِمام في القنوت. قال ابن نصر قيل للحسن إنهم يضجون في القنوت فقال أخطأوا السنة كان عمر يقنت ويؤمن من خلفه.
وقال أبو داود سمعت أحمد سئل عن القنوت فقال الذي يعجبنا أن يقنت الإِمام ويؤمن من خلفه. ويؤخذ من هذا كله أن القنوت يكون جهرًا لأن المأمومين إذا لم يسمعوا لم يؤمنوا. وروى محمَّد بن نصر عن أبي عثمان النهدي كان عمر يقنت بنا في صلاة الغداة حتى يسمع صوته من وراء المسجد. وعن الحسن أن أبيّ بن كعب أم الناس في رمضان فكان يقنت في النصف الأخير حتى يسمعهم الدعاء. وقالت المالكية يسر به. وبه قال الأوزاعي ولا وجه لهم إذا المذكور من الروايات يرد عليهم (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والحاكم.
(ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ قَالاَ نَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ فَقَالَ نَعَمْ. فَقِيلَ لَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَالَ بَعْدَ الرُّكُوعِ. قَالَ مُسَدَّدٌ بِيَسِيرٍ.
الصفحة 87
352