كتاب مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس

بالوزارة على ثِقَلهَا، وتصرَّف فيها كيف شاءَ على حدّ نظرها، والتفات مُقِلِهَا، فظهر على أولئك الوزراء، واشتهر مع كثرة النُّظراء، وكانت إمارةُ عبد الرحمن أسعد إمارة، بَعُد عنها كل نفس بالسَّوءِ أمّارة، فلم يطرقها صَرف، ولم يرمقها بمحذور، طَرف، ففَرَع الناس فيها هِضاب الأمانيِّ ورُبَاها، ورتعت ظباؤها في ظلال ظُبَاها، وهو أسدٌ على براثنه، رابض، وبَكَلٌ أبدا على قوائم سيفه قابض، يروع الروم طَيفُه، ويجوس خلال تلك الديار خَوفه، ويُروى من نجيعهم كُلَّ آونةٍ سيفُه، وابن شهيد ينتج الآراء ويُلقحها، وينتقد تلك الأنحاء وينقّحها والدولة مشتملة بفنائه، متجمّلة بسنائه، وكرمه منتشر على الآمال، ويكسو الأولياء بذلك الإجمال، وكان له أدب تزخر لُجَجُه، (وتبهر حُجَجُه)، وشعر رقيق لا ينقّد، ويكاد من اللطافةُ يُعقَد، فمن ذلك قوله:
ترى البَدرَ منها طالعاً وكأنّما ... يجول وشاحاها على لُؤلُؤٍ رَطبِ
بعيدةُ مهوى القُرْطُ مُخطَفَةُ الحَشَا ... ومُفعَمَةُ الخَلخَال مُفعَمة القُلبِ

الصفحة 167