كتاب مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس

أفوهُ بما لم آته متعرِّضاً ... لحُسنِ المعاني تارةً فأزيدُ
فإنّ طال ذكري بالمجُون فإنّني ... شقيٌّ بمَنظُوم الكلامِ سعيدُ
وهل كنت في العُشَّاقِ أوَّلَ عاقلٍ ... هَوَتْ بِحِجَاهُ أعينٌ وخدودُ
وإن طال ذكري بالمجُون فإنّها ... عظائم لم يَصبِر لَهُنَّ جليدُ
فِراقٌ وسِجنٌ واشتياقٌ وذِلَّة ... وجَبَّارُ حُفَّاظٍ عليّ عَتيدُ
فمن مُبلغُ الفتيانِ إنّي بَعدَهُم ... مقيمٌ بدار الظالمين وحيدُ
مُقيمٌ بدارٍ ساكنوها من الأذَى ... قِيَامٌ على جَمر الحِمَامِ قُعُودُ
ويُسمَعُ للجِنَّانِ في جنبتها ... بَسِيط كترِجيعِ الصَّدى ونشيدُ
ولست بذي قَيدٍ يرنُّ وإنمّا ... على اللَّحظِ من سُخط الإمام قيودُ
وقلت لصَدَّاح الحَمَامِ وقد بَكَى ... على القصر إلفاً والدّموُع تجودُ
ألا أيُّها الباكي على من تُحِبُّهُ ... كِلاَنا معنىً بالخَلاءِ فريدُ
وهل أنت دانٍ من مُحِبٍّ نأى به ... عن الإلفِ سُلطَانٌ عليهِ شديدُ
فصفّقَ عن ريش الجناحين واقفاً ... على القُربِ حتى ما عليه مَزيدُ
وما زال يبكيني وأبكيه جاهداً ... وللشّوقِ من دون الضّلوعِ وقودُ
إلى أن بكى الجدران من طول شجون ... وأجهش باب جانباه حَديدُ
أطاعت أميرَ المؤمنين كتائبٌ ... تَصرَّفُ في الأموال كيف تريدُ

الصفحة 199