كتاب منهج دراسة الأديان بين الشيخ رحمت الله الهندي والقس فندر
يقول: " إن كانت هذه الاعتراضات في محلها تسقط حجتنا التي قدمناها في الفصل الأول، غير أنه بهذا يضعف نفوذ القرآن كما لا يخفى على اللبيب " (¬1).
أورد بعض أقوال علماء الإسلام التي تؤيد أقوال النسخ ثم رد على ذلك بأنها " وإن كانت مقبولة عند العامة وكثير من الخاصة غير أنه يجب أن نلاحظ أن القرآن لم يشر إليها بكلمة واحدة، ولا أشار إليها الحديث عند السنيين ولا الشيعيين، وبالإجمال أن هذه المسألة تشوش تعليم القرآن وتقلبه رأسا على عقب ".
ثم يرى أن القرآن ينسخ نفسه وليس بناسخ لغيره، وأن القراءات واحدة في المعنى إلا أن بينها نسخ لفظي فقط، ثم ذكر في موضع آخر: " ولا يبرح من بالك أن قصد المسيح من دوام كلامه وبقاء كل لفظة من ألفاظ العهد القديم والجديد على وضعها الأصلي شيئان مختلفان؛ لأن قصد المسيح من دوام كلامه وكلام العهدين بقاء معانيهما لا ألفاظهما " (¬2)؛ حيث يرى أن النسخ يكون لفظيا دائما سواء أكان عند المسلمين أو عندهم. كما لم تشر آيات القرآن الكريم إلى لفظ نسخ التوراة أو الإنجيل، ثم أشار إلى أن رحمت الله نفى نسخ القرآن للزبور، أو أن الإنجيل نسخه، مع عدم الإشارة إلى الصفحة أو الطبعة أو علاقة ذلك بالإنجيل والقرآن (¬3).
أوضح بعد ذلك أن الإنجيل ما جاء إلا لزيادة أمر التوراة وضوحا وبيانا - من جهة - أن الإنسان خاطئ ولابد له من مخلص، فالتوراة أساسها والإنجيل ختامها، ولا يقال: إن العهد الجديد نسخها، بل يقال: إنه شرحها وأبرزها في شكلها الروحي الذي يلائم الناس في كل زمان ومكان، والعهد الجديد أعم في الرسالة من القديم، وعهد بين الله والمؤمنين بالمسيح سواء أكانوا من بني إسرائيل أو من الأمم؛ حيث إن القديم كان قائما على فرائض وطقوس ورسوم تدرب بني إسرائيل فقط على إدراك الحقائق الروحية - تدريجيا - استعدادا لأن يكونوا تلاميذ للمسيح وأساتذة العالم أجمع، ولا علاقة لذلك بالنسخ. وكانت الطقوس في شريعة اليهود غرضها عزل اليهود عن الأمم عزلة تامة صونا لهم من السقوط في الوثنية، وحتى يتعلموا عمليا أنها غير مقصودة لذاتها بل غايتها حقائق روحية، أما الوصايا الأدبية فباقية ملتزمون بها في كل زمان ومكان مثل لا تزن ولا تسرق ولا تقتل؛ أي أن هناك جزءا من الوصايا تحول إلى جزء روحاني ولا يعرفها فندر بمعنى النسخ الذي يراه بمعنى الإزالة أو الإبطال حتى أن الختان كان مؤقتا ولم يكن في شريعة كل الأنبياء.
ويستدل بنص بطرس الرسالة الأولى [2: 5] بقوله: " كونوا أنتم أيضا مبنيين - كحجارة حية بتيار- روحيا كهنوتا مقدسا؛ لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح " فاستخدام لفظ ذبائح كلفظ مادي مع الروح دليل على هذا التحول كما يراه.
ويقول أن شريعة موسى جاءت بعبارة سلبية تعدد ما نهى الله عنه، أما شريعة المسيح فأحاطت بالسلب والإيجاب، فكما نهتنا عن فعل الشر أمرت بفعل الخير، ويتساءل هل الإسلام راقيا كرقي الديانة المسيحية على الأقل من حيث المبادئ الأخلاقية، وروحانية
¬_________
(¬1) المرجع السابق، ص 62.
(¬2) المرجع السابق، ص 91.
(¬3) المرجع السابق، ص 65.
الصفحة 126
340