كتاب منهج دراسة الأديان بين الشيخ رحمت الله الهندي والقس فندر
العبادة، والعتق من نير الطقوس اليهودية المتراكمة، ويجيب أنه يترك الحكم لأهل الإنصاف والخبرة بالتوراة والإنجيل والقرآن (¬1).
يرد ويفسر قول المسيح الوارد في متى [15: 24]: " لم أرسل إلا لخراف بني إسرائيل الضالة " بأنها أوامر وقتية وليست منسوخة في آخر البشارة، فلا يعتبر عدم سفر المسيح نهيا صريحا للتلاميذ عن السفر دائما، ولا أن رسالتهم مختصة في بني إسرائيل؛ فمقصود فندر أن الأمر خاص لنفسه فقط دون غيره، ومن شاء فليتبعه.
الفصل الثالث:
بعنوان: في أن أسفار العهد القديم والجديد المتداولة اليوم هي بعينها التي كانت بأيدي النصارى واليهود في عصر محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولها قد شهد القرآن؛ حيث يعود في هذا الفصل إلى قضية التحريف من جديد، فيقسم الفصل إلى مبحثين متسائلا في الأول: هل أسفار العهدين المنتشرة اليوم هي بذاتها التي كانت في عصر محمد - صلى الله عليه وسلم -، والثاني: وإن كانت هي بذاتها فهل اعتراها تحريف أو تبديل كثير أو قليل؟ (¬2).
ويرى فندر أن نسخ القرآن الأصلية قد ضاعت كما ضاعت نسخ التوراة والإنجيل، وأن محققي المسلمين يسلمون بذلك في كل العالم، ويرى أن رحمت الله متعصب، وأن كلامه من أفحش الغلطات، ولا يلتمس له العذر في ذلك؛ حيث يحاول أن يقنع المسلمين بسفر مزمور وأنه لعزرا المسمى في القرآن عزير، وأنه قد ألف كتابا وادعى أنه هو التوراة الحقيقية الأصلية؛ حيث يرى فندر أن عزرا من حفظة أسفار الوحي، حيث إن عزرا استدعى الكتبة إلى كتابة كل ما عمل في العالم منذ البدء، وأنه قد جاء في تفسير البيضاوي لسورة التوبة آية 30 (¬3)
ما ينقض زعم رحمت الله ويؤيد بيانه؛ فقال ما معناه عندما سبى بختنصر اليهود لم يبق أحد من حفظة الوحي، فبعث الله عزيرا من الأموات وقد مر عليه مئة سنة ميتا، فأملى التوراة وجاءت طبق الأصل حتى تعجب منه اليهود (¬4)، وأن سكوت اليهود عن التناقضات
¬_________
(¬1) ميزان الحق، ص 88.
(¬2) ميزان الحق، ص 94.
(¬3) تفسير الآية كما وردت عند البيضاوي في كتابه: أنوار التنزيل وأسرار التأويل: " {يضاهئون قَوْلَ الذين كَفَرُوا} أي يضاهي قولهم قول الذين كفروا فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. {مِن قَبْلُ} أي من قبلهم والمراد قدماؤهم على معنى أن الكفر قديم فيهم، أو المشركون الذين قالوا الملائكة بنات الله، أو اليهود على أن الضمير للنصارى، والمضاهاة المشابهة والهمز لغة فيه. وقرأ به عاصم ومنه قولهم امرأة ضهيأ على فعيل للتي شابهت الرجال في أنها لا تحيض. {قاتلهم الله} دعاء عليهم بالإِهلاك فإن من قاتله الله هلك، أو تعجب من شناعة قولهم. {أنى يُؤْفَكُونَ} كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل." البيضاوي، ناصر الدين (؟ - 691 هـ، ؟ - 1292 م) هو ناصر الدين أبو الخير عبدالله بن عمر بن محمد. قاضٍ وإمام مبرِّز من بلاد فارس. تولى قضاء شيراز، وكان صالحًا متعبدًا، أثنى العلماء عليه وعلى مؤلفاته، وأبرزها المنهاج الوجيز في أصول الفقه، وتفسيره أنوار التنزيل وأسرار التأويل، لخصه من تفسيري الزمخشري والرازي وأضاف إليهما ملاحظات في مواضع كثيرة.
ولد البيضاوي في مدينة البيضاء قرب شيراز. ولم تذكر كتب التراجم تاريخ ولادته. توفي في تبريز. الموسوعة العربية العالمية السعودية، مرجع سابق.
(¬4) وقد شهدت الترجمة تطوراً كبيراً خاصة في الحقبة الرومانسية في الأدب الأوروبي. وتختلف الترجمة التأويلية عن الترجمة التفسيرية في أربعة عوامل رئيسة، الأول: هو طبيعة النصوص المترجمة؛ فالترجمة التأويلية تتعلق بالنصوص المقدسة والمركزية لثقافة النص الأصلي، وهذه الكتب المركزية لها تآويل وتفاسير متداولة وشبه متعارف عليها، ولا تخضع بنفس الدرجة للفهم الذاتي للمترجم أو لتحيزاته الثقافية. الثاني: هو أن لهذه النصوص وظيفة محددة ومتلقين من فئة محددة أيضاً مما يجعل عملية ترجمة النصوص المئولة عملية واضحة المعالم والأهداف إلى حد كبير. الثالث: هو أن هذه الترجمة تلتزم التزاماً كبيراً بمعنى المؤلف الأصلي، وتحذو حذو ثقافة النص الأصلي دون إتاحة المجال لتكييف النص للثقافة المتلقية، وعند الحاجة لذلك، يكون ذلك ضمن نصوص شارحة في الهوامش أو حتى في كتب مستقلة. الرابع: هو أن تفسير النصوص في هذا الاتجاه لا يخضع لتفسير فرد يعينه، وإنما يخضع لاتفاق جماعة من المطلعين على النصوص حول التفاسير التي يرونها ملائمة لها، محمد بن عبدالله آل عبداللطيف، الترجمة بين الشكل والتفسير، (الرياض: جامعة الملك سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية، بحث مقدم، 1422 هـ)، ص 29.
الصفحة 127
340