كتاب منهج دراسة الأديان بين الشيخ رحمت الله الهندي والقس فندر

البلاد (¬1). قد كان شعار بعض رؤساء الإنجليز أنهم كانوا يعتبرون كل مسلم ثائرا، وكانوا يسألون الرجل أأنت هندوكي أم مسلم؟ فإذا قال مسلم قتلوه بالرصاص (¬2).
وعلى هذا المبدأ بطش البريطانيون بالمسلمين الذين قادوا الثورة الوطنية (العصيان) أكثر مما بطشوا بغيرهم من أبناء الطوائف الأخرى الذين شاركوا فيها، فأقصوهم إقصاء شاملا عن كل وظائف الدولة التي كانوا يشغلون عددا كبيرا منها، وجهدوا في تقويض كل أوضاعهم الاقتصادية والثقافية، ثم اصطنعوا أبناء الطبقات الهندوكية المتوسطة في الوظائف الصغيرة فلا يتخطونها أبدا إلى المناصب الكبرى التي كانت جميعها، في السلكين المدني والعسكري وقفا على المستعمرين، حتى أصبحت أغلب الأراضي التي كان المسلمون يمارسون زراعتها، بمقتضى هذا القانون، ملكا لجباة الضرائب من الهنادكة (¬3).
وقد كانت هذه هي الوسيلة المتبوعة في الحكومة الإنجليزية القائمة؛ وهي القاعدة التي يسير عليها موظفوها الكبار، ورؤساء المصالح، إقصاء المسلمين عن المراكز الكبيرة في الحكم والإدارة، وسد أبواب الرزق الشريف عليهم، ومصادرة الأوقاف والأملاك التي تدر على مدارسهم ومؤسساتهم، وتأسيس مدارس ونظام تعليمي لا ينشط المسلمون للإفادة منه، وقد كان يعلن في بعض بلاغات رسمية أن الوظائف الفلانية لا يقبل فيها إلا الهنادك (¬4).
ثارت الجنود في مايو عام 1857 م بعد ما جرب الهنديون الحكم الإنجليزي وغطرسة الإنجليز، وانتهابهم لثروة البلاد، وقلة احتفالهم بالعاطفة الدينية، وكرامة أهل البلاد، وانتشرت الثورة في الهند انتشار النار في الهشيم، فكانت ثورة شعبية عامة ساهم فيها المسلمون والهنادك سواء بسواء، وتوجه الثوار إلى دهلي مقر الملك المغولي الأخير سراج الدين بهادر شاه (كان حكمه محدودا في القلعة الحمراء والإنجليز يحكمون البلاد باسمه ونيابة عنه)، وجعلوه قائدا للثورة ورمزا للوطنية الموحدة والكفاح الشعبي، ونادوا به ملكا للهند شرعيا، وخليفة آبائه ملوك الهند الصناديد المغول الأباطرة، وقاتل الثوار في كل بقعة من بقاع الهند تحت رايته وباسمه، ينظرون إليه كزعيم للجهاد الديني والوطني، وينظرون إلى دهلي كعاصمة الحكومة الهندية الدائمة، ولم يشذ عن ذلك شاذ (¬5).
فشلت الثورة، وأخمدها الإنجليز بوحشية بالغة، وضموا الهند لهم كإمارة تابعة لمملكة بريطانيا العظمى.
انتشرت في ذلك الوقت محاولات كبيرة لتنصير المسلمين، أو لزعزعتهم عن دينهم، وإثارة الشكوك، بعدما فشلت القوة العسكرية في إخضاعهم للحكم الإنجليزي بشكل كامل."التبشير لايعني بالضرورة تحويل الملك أو الزعيم أو الأميرات إلى المسيحية دينا معلنا، ولكن
¬_________
(¬1) المرجع السابق، ص 278 وما بعدها.
(¬2) أبو الحسن الندوي، المسلمون في الهند، (بيروت: دار ابن كثير، ط 3، 1999 م)، ص 184 (بتصرف يسير).
(¬3) مرجع سابق: أحمد محمود الساداتي، تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية وحضارتهم، ص 278 ومابعدها.
(¬4) أبو الحسن الندوي، المسلمون في الهند، (بيروت: دار ابن كثير، ط 3، 1999 م)، ص 187.
(¬5) المرجع السابق، ص 177.

الصفحة 28