كتاب منهج دراسة الأديان بين الشيخ رحمت الله الهندي والقس فندر

ويسقط نقطة نقطة على التدريج، فلا يشك من حضر أنها آية ظهرت عند تلاوة الإنجيل، وقد كشف أمر تلك الحيلة أحد رؤساء الدولة النصارى هناك وقتئذ (¬1).
بل إن الأمر تخطى ذلك حتى وصل الاضطهاد إلى اليهود أنفسهم ففي عام 1095 م تبدلت نوعية الموقف السلبي المسيحي من اليهود في أوروبا، فبدلا من أعمال المضايقة والحرمان والمقاطعة وسواها المتبعة بحقهم، صارت أعمال العنف والقتل والنهب هي المعروفة - وهي المتبعة بحقهم - ففي 3 آيار 1096 م وفيما كانت الجيوش الصليبية الزاحفة إلى فلسطين قد وصلت إلى أسبير في ألمانيا قام الجنود بقتل 11 يهوديا رفضوا التعميد (¬2).
وفي منيوز قتل الصليبيون ألف وأربعة عشر يهوديا اختبأوا في أحد السراديب، وفي العام نفسه قتلوا مئتي يهودي في كولوني، وفي وورمز هاجم الصليبيون جموعا هاربة من اليهود أبادوهم عن بكرة أبيهم فبلغ من قتل في مذبحة وورمز 1100 يهودي. وحدثت مذبحة مشابهة في متز وأخرى في رتجز برج وثالثة في براغ (¬3).
وبعدما غدا الدين الإسلامي بإطاره الحضاري والعقائدي والثقافي والاجتماعي مصدر الخطر والتهديد بعدما حل محل الشيوعية الأيديولوجية الرسمية للاتحاد السوفيتي المنهار، وأدمج العالم الإسلامي بعض دوله وجماعاته ضمن اصطلاحات سياسية وعقائدية عدائية، مثل: الحرب على الإرهاب والذي فرضت أمريكا على العالم تبنيه والمشاركة في تفعيله ومورست تحت رايته ضروب من حروب الإبادة والمحاصرة والتدخل السافر، فتم تسخير الآلة الإعلامية الرهيبة، ودور النشر، ومراكز البحوث، ومن يتسمون " خبراء الشرق الأوسط والشئون الإسلامية " بدعم غير محدود من اللوبي اليهودي المتحالف مع الأصولية المسيحية المتطرفة فيظهر المسلمون كمصدر لتهديد السلم العالمي، وكتهديد خاص لأمن الغرب وإسرائيل (¬4).
من الواضح أن التنصير لا يفرق بين دين وآخر فكل شيء ينظر إليه من جانب التنصير بعين الاستئصال فإما معه أو ضده .. وفي الختام وبعد كل ما سبق عرضه وبعد عودة الحملات الصليبية في ثوب التنصير والتبشير ودور الاستشراق في تمهيد الطريق لكل ذلك أجد أن على الشرق الأوسط والعالم الإسلامي العمل على التحرر من تلك الهجمة و"التقدم في علم الاستغراب حيث يصبح " في مقابل علم الاستشراق ضرورة ملحة في عصر الثورة المضادة بعد أن عاد الغرب بهجمته الاستعمارية الثانية بعد هجمته الاستعمارية الأولى، إثر حركات التحرر الوطني ... يهدف هذا العلم إلى إحالة الثورات الحديثة من عثراتها، واستكمال عصر التحرر من الاستعمار، والانتقال من التحرر العسكري إلى التحرر الاقتصادي والسياسي والثقافي، وقبل كل شيء التحرر الحضاري. فطالما أن الغرب قابع في قلب كل منا كمصدر
¬_________
(¬1) ((المرجع السابق.
(¬2) شريف محمد هاشم، الإسلام والمسيحية في الميزان، (لبنان: مؤسسة الوفاء، د. ت، د. س)، ص 422 - ص 426.
(¬3) المرجع السابق، ص 422 - ص 426 (بتصرف يسير).
(¬4) انظر: مرجع سابق، عبد الراضي عبد المحسن في سلسلة أبحاث جامعية، دراسات عربية وإسلامية، ص 33.

الصفحة 96