كتاب مقدمة ابن الصلاح = معرفة أنواع علوم الحديث - ت فحل

هَذَا مِنْ أجَلِّ نوعٍ وأفْخَمِهِ فإنّهُ المَِرْقَاةُ (¬1) إلى مَعْرِفَةِ صِحَّةِ الحَدِيْثِ وسَقَمِهِ ولأهلِ المَعْرِفَةِ بالحديثِ فِيهِ تصانيفُ كثيرةٌ.
مِنْها: مَا أُفرِدَ فِي الضُّعفاءِ: ككتابِ " الضُّعَفاءِ " للبخاريِّ، و " الضُّعفاءِ " للنَّسائيِّ، و " الضُّعفاء " للعُقَيْليِّ وغيرِها.
ومنها: فِي الثِّقاتِ فَحَسْبُ: ككتابِ " الثِّقاتِ " لأبي حاتِمِ بنِ حِبَّانَ.
ومنها: مَا جُمِعَ فِيهِ بَيْنَ الثِّقاتِ والضُّعفاءِ: ك‍" تأريخِ البُخَارِيّ "، و" تاريخُ بنُ أبي خَيْثَمَةَ " - وما أغْزَرَ فَوَائِدَهُ -، وكتابِ " الجَرْحِ والتَّعديلِ " لابنِ أبي حاتِمٍ الرَّازِيِّ (¬2).
رُوِّينا عنْ صالحِ بنِ محمدٍ الحافظِ جَزَرَةَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ تكَلَّمَ فِي الرِّجَال: شُِعبةُ ابنُ الحَجَّاجِ، ثُمَّ تَبِعَهُ يَحْيَى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ، ثُمَّ بَعْدَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، ويَحْيَى بنُ مَعِينٍ (¬3). وهؤلاءِ قلتُ: يعني أنّهُ أَوَّلُ مَنْ تَصدَّى لِذلِكَ وعُنِيَ بِهِ وإلاّ فالكلامُ فيهِم (¬4) جَرْحاً وتَعديلاً مُتقدِّمٌ ثابتٌ عنْ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ عَنْ كثيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ والتابعينَ فمَنْ بَعْدَهم وجُوِّزَ ذَلِكَ صَوناً للشَّريعةِ ونَفْياً للخطأِ والكَذِبِ عَنْهَا (¬5).
وكما جازَ الجَرْحُ فِي الشُّهودِ جازَ فِي الرُّواةِ. وَرُوِّيتُ (¬6) عَنْ أبي بَكْرِ بنِ خَلاَّدٍ قَالَ: قلتُ ليَحْيَى بنِ سعيدٍ: أما تخشَى أنْ يكونَ هؤلاءِ الذينَ تركتَ حديثَهم خُصَماءَكَ عِنْدَ اللهِ يومَ القيامةِ؟ فَقَالَ: لأَنْ يكونوا خُصَمَائي أحَبَّ إليَّ مِنْ أنْ يكونَ خَصْمي رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لي: ((لِمَ لَمْ تَذُبَّ الكَذِبَ عَنْ حديثي)) (¬7). ورُوِّينا أَوْ بَلَغَنا أنَّ أبا
¬__________
(¬1) المرقاة - بالفتح والكسر - الدّرجة، يقال: ترقّى في العلم، أي: رقي فيه درجةً درجة، انظر: اللسان 14/ 332.
(¬2) انظر كلاماً نافعاً عن هذه الكتب: بحوث في تاريخ السّنّة 90 - 123.
(¬3) الجامع لأخلاق الرّاوي وآداب السامع (1612)، وراجع المحاسن 589.
(¬4) في (ع) والتقييد: ((فيه)) وما أثبتناه من النسخ و (م) والشذا.
(¬5) راجع شرح التبصرة والتذكرة 3/ 279.
(¬6) في (ب): ((روينا)).
(¬7) أورده ابن عدي بسنده في مقدمة الكامل 1/ 186، والخطيب في الكفاية: (90 ت، 44 هـ‍).

الصفحة 491