كتاب مقدمة ابن الصلاح = معرفة أنواع علوم الحديث - ت فحل

النَّوْعُ الثَّالِثُ والسِّتُّوْنَ
مَعْرِفَةُ طَبَقَاتِ الرُّوَاةِ والعُلَمَاءِ (¬1)
وذلكَ مِنَ المهمّاتِ التي افْتَضَحَ بِسَبَبِ الجَهْلِ بِها غَيْرُ واحدٍ مِنَ المُصنِّفينَ وغيرِهم.
و" كتابُ الطَّبَقاتِ الكبيرِ " لمحمدِ بنِ سَعْدٍ كاتبِ الواقديِّ كِتَابٌ حَفِيلٌ كثيرٌ الفوائدِ، وَهُوَ ثقةٌ غَيْرَ أنّه كثيرُ الروايةِ فِيهِ عنِ الضُّعَفاءِ. ومنهم: الواقديُّ، وَهُوَ مُحَمَّدُ ابنُ عُمَرَ الذي لا يَنْسُبُهُ (¬2).
والطبقةُ فِي اللُّغَةِ: عبارةٌ عنِ القَوْمِ المُتشابِهينَ (¬3)، وعِندَ هَذَا فرُبَّ شَخْصينِ يكونانِ منْ طَبَقةٍ واحدةٍ لتشابهِهما بالنِّسْبةِ إلى جِهَةٍ، ومنْ طَبَقَتيْنِ بالنِّسْبةِ إلى أُخرى
لا يتشابهانِ فِيْهَا. فأنسُ بنُ مالكٍ الأنصاريُّ وغيرُهُ منْ أصاغرِ الصَّحابةِ مَعَ العَشَرةِ وغيرِهم منْ أكابرِ الصَّحَابَةِ مِنْ طبقةٍ واحدةٍ إذَا نَظَرنا إلى تَشَابهِهم فِي أصلِ صفةِ الصُّحبةِ.
وعلى هَذَا فالصَّحابةُ بأسرِهِم طبقةٌ أُولَى، والتابعونَ طبقةٌ ثانيةٌ، وأتباعُ التابعينِ طَبَقةٌ ثالثةٌ، وَهَلُمَّ جَرّاً. وإذا نَظرنا إلى تَفاوتِ الصحابةِ فِي سَوابقِهم ومَراتِبهم كانوا عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ بَضْعَ عَشْرَةَ طَبَقةً، ولا يكونُ عِنْدَ هَذَا أنسٌ وغيرُهُ منْ أصاغرِ الصَّحَابَةِ منْ طبقةِ العَشَرَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ بَلْ دُونَهم بِطَبَقَاتٍ. والباحثُ الناظرُ فِي هَذَا الفَنِّ يَحْتاجُ إلى مَعْرِفَةِ المواليدِ والوَفَياتِ ومَنْ أَخذُوا عَنْهُ ومَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ ونحوِ ذَلِكَ، واللهُ أعلمُ.
¬__________
(¬1) انظر في ذلك:
الإرشاد 2/ 797 - 799، والتقريب: 199، والمنهل الروي: 115، واختصار علوم الحديث: 245، والشذا الفياح 2/ 781 - 782، والمقنع 2/ 668 - 669، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 301، وفتح المغيث 3/ 351 - 354، وتدريب الراوي 2/ 380 - 382، فتح الباقي 3/ 274 - 276، وتوضيح الأفكار 2/ 503 - 504، وظفر الأماني: 103 - 104.
(¬2) انظر: محاسن الاصطلاح 599.
(¬3) انظر: الصحاح 4/ 1512، والمحكم 6/ 178، وتاج العروس 26/ 50، وانظر عن نظام الطبقات في كتب المحدّثين والمؤرخين تقدمة سير أعلام النبلاء 1/ 98، ومقدمة تحقيق طبقات خليفة: 46، وبحوث في تاريخ السُّنَّة: 75.

الصفحة 500