كتاب جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

قال: ومما قلنا فيه بالاستحسانِ للسنّةِ فيمن غَصَبَ أرضاً وَزَرَعَها، فالزرعُ لِرَبِّ الأرضِ، وعلى صاحب الأرضِ النفقةُ لصاحبِ الزَّرع، لحديثِ رافع بن خَدِيْج عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من زَرعَ في أرضِ قومٍ فَالزرعُ لِرَب الأرضِ وله نفَقَتُه" (¬١). وقد كان القياس أن يكون الزرع لزارعه (¬٢).
قال: ومما قلنا فيه بذلك للإجماع جوازُ سَلَمِ الدراهم والدنانير في الموزونات، وكان القياس أن لا يجوز ذلك لوجود الصفة المضمومة إلى الجنس، وهي الوزن، إلاّ أنهم استحسنوا فيه للإجماع (¬٣).

قلت: ومن ذلك أن نفقةَ الصغيرِ وأجرةَ مُرضِعِه على أبيه دونَ أمِّه بالنصّ (¬٤) والإجماعِ. والقياسُ- عندَ مَن يَجْعلُ النفقةَ على كل
---------------
(¬١) أخرجه أبو داود (٣٤٠٣) والترمذي (١٣٦٦) وابن ماجه (٢٤٦٦) وأحمد ٣/ ٤٦٥، ١/ ١٤٤ والبيهقي في السنن الكبرى ٦/ ١٣٦ من طريق شريك عن أبي إسحاق عن عطاء عن رافع بن خديج. قال الترمذي: حديث حسن غريب. وتكلّم عليه الألباني وصححه لشواهده في إرواء الغليل ٥/ ٣٥١.
(¬٢) قال ابن قدامة في المغني ٥/ ٢٣٦: "أحمد إنما ذهب إلى هذا الحكم استحسانا على خلاف القياس، فإن القياس أن الزرعَ لصاحب البذر، لأنه نماء عين ماله، وقد صرح به أحمد فقال: هذا شيء لا يوافق القياس، أستحسن أن يدفع إليه نفقته للأثر".
(¬٣) انتهى كلام أبي يعلى في العدة. وانظر هذه المسألة في المغني ٤/ ٩ - ١٠.
(¬٤) قال تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) =

الصفحة 176