كتاب جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)
جميعًا معتصمين بحبل الله الذي هو كتابه شيعةً واحدةً للأنبياء، كما قال تعالى: (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (٨٣)) (¬١). وإبراهيم هو إمام الأنبياء، كما قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)) (¬٢)، وقال تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠)) إلى أن قال: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (¬٣).
وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعلِّم أمتَه أن يقولوا إذا أصبحوا: "أصبحنا على فطرةِ الإسلام وكلمةِ الإخلاص، ودينِ نبينا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وملَّةِ أبينا إبراهيم حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين" (¬٤).
وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا إني أُوتيتُ الكتابَ ومثلَه معه، فلا أُلْفِيَنَّ رجلًا شبعانَ على أَرِيْكَتِه يقول: بيننا وبينكم هذا القرآن، فما وجدنا فيه من حلالٍ حلَّلناه، وما وجدنا فيه من حرامٍ حرَّمناه. إلا إني أُوْتيتُ الكتاب ومثله معه" (¬٥).
فهذا الحديث موافقٌ لكتاب الله، فإن الله ذكر في كتابه أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
---------------
(¬١) سورة الصافات: ٨٣.
(¬٢) سورة البقرة: ١٢٤.
(¬٣) سورة النحل: ١٢٠.
(¬٤) أخرجه أحمد (٣/ ٤٠٦، ٤٠٧) والدارمي (٢٦٩١) والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (١، ٢، ٣، ٣٤٣، ٣٤٤، ٣٤٥) عن عبد الرحمن بن أبزي.
(¬٥) أخرجه أحمد (٤/ ١٣٠) وأبو داود (٤٦٠٤) والترمذي (٢٦٦٤) وابن ماجه (١٢، ٣١٩٣) عن المقدام بن معدي كرب، وحسَّنه الترمذي. وله شاهد من حديث أبي رافع، أخرجه أحمد (٦/ ٨) وأبو داود (٤٦٠٥) والترمذي (٢٦٦٩) وابن ماجه (١٣)، وحسَّنه الترمذي وصححه الحاكم في المستدرك (١/ ١٠٨، ١٠٩) والألباني في تعليقه على "المشكاة" (١٦٢).