كتاب جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)

فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢)) (¬١) الآية، وقال تعالى: (يأهلَ اَلكتاب لَا تَغلُواْ في دِينكم غير الحق و َلَا تَتبِعُوَاْ أَهواء قوم قد ضَلواْ مِن قَبلُ وَأَضلُواْ كثيرا وَضَلُواْ عَن سَواء السَّبِيلِ (٧٧)) (¬٢).
وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "لا تُطْرُوني كما أَطْرَتِ النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله" (¬٣). وقال: "إيّاكم والغُلوَّ في الدين، فإنما أهلكَ مَن كان قبلكم الغُلُوُّ في الدين" (¬٤). وهذا قال لهم بسبب رَمْي الجمارِ لئلَاّ يَغْلُوا فيها، فكيف فيما هو أعظم من ذلك؟ وهؤلاء أهلُ الغلوِّ النصارى ومن شابَهَهم من هذه الأمة في الغلوّ - كما ثبتَ عنه في الصحيحين (¬٥) أنه قال: "لَتَركَبُنَّ سَنَنَ من كان قبلكم حَذْوَ القُذَّة بالقُذَّةِ، حتى لو دَخَلوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخلتُموه" - هم قَصَدوا تعظيمَ الأَنبياء والصالحين بالغُلوّ فيهم، فوقعوا في تكذيبهم وبُغضِهم ما جاءوا به، فإنّ المسيح قال للنصارى كما أخبر الله عنه أنه قال: (مَا قلتُ لهم إلا مَاَ أَمرَتَني بِهِ أَنِ اَعبُدُواَْ اللهَ رَبِى وَربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقِيبَ عَلَيهِم وَأَنت على كل شئ شَهِيد (١١٧)) (¬٦) وقال المسيح: (إِني عَبدُ
---------------
(¬١) سورة النساء: ١٧١ - ١٧٢.
(¬٢) سورة المائدة: ٧٧.
(¬٣) أخرجه البخاري (٣٤٤٥،٦٨٣٠) عن عمر بن الخطاب.
(¬٤) أخرجه أحمد (١/ ٢١٥،٣٤٧) والنسائي (٥/ ٢٦٨،٢٦٩) وابن ماجه (٣٠٢٩) عن ابن عباس. وصححه النووي في "المجموع" (٨/ ١٧١) والألباني في "الصحيحة" (١٢٨٣).
(¬٥) البخاري (٣٤٥٦،٧٣٢٠) ومسلم (٢٦٦٩) عن أبي سعيد الخدري.
(¬٦) سورة المائدة: ١١٧.

الصفحة 34