كتاب جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)

ولفظ البخاري (¬١): جاء ثلاثة رهط بيوتَ أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسألون عن عبادة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فلما أخبروا كأنهم تَقَالُّوها! فقالوا: وأين نحن من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه وما تأخر؟ فقال أحدهم: أما أنا فإني أُصلِّي الليل أبدًا. وقال الآخر: أنا أصوم الدَّهر أبدًا. وقال الآخر: أنا اعتزل النساء فلا أتزوج. فجاء رسول الله [فقال]: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إنِّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنِّي أصومُ وأُفطِرُ، وأُصلِّي وأَرْقُد، وأَتزوَّجُ النِّساءَ، فَمَن رَغِبَ عن سنَّتي فليسَ مِنِّي".
وفي الصحيحين (¬٢) عن سعد بن أبي وقاص قال: رَدَّ رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على عثمان بن مَظْعُونٍ التبتَّل، ولو أذِنَ له لاخْتَصينا.
وفي صحيح البخاري (¬٣) وغيره عن ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلاً قائمًا في الشَّمس فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا أبو إسرائيل، نذر أن يقوم في الشمس ولا يجلس ولا يستظل وأن يصوم، فقال: "مُرُوه فلْيَجْلِس، وليَسْتَظِلَّ وليَتكلم وليتِمَّ صومَه".
فلما كان هذا النَّاذِرُ نَذَرَ ما هو سُنَّة وما هو بدعة أَمَرَه بالوفاء بالسنة دون البدعة، كما في صحيح البخاري (¬٤) عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "مَن نَذرَ أن يُطيعَ الله فليُطِعْهُ، ومَن نذر
---------------
(¬١) في الموضع المذكور.
(¬٢) البخاري (٥٠٧٤) ومسلم (١٤٠٢).
(¬٣) برقم (٦٧٠٤).
(¬٤) برقمي (٦٦٩٦، ٦٧٠٠).

الصفحة 373