كتاب جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)

وأما السؤال الثالث -وهو نقلُ الإجماع على بعض التأويلات- فلا يَرِدُ أيضًا، لأن ذلك إن صحَّ لم يدخل في الدعوى، لأنّا قلنا: تأويلُ المتكلمين المخالفُ لأهل الحديث باطل، وما أجمعوا عليه ليس من هذا الباب. نعم، يبقى هذا من باب المعارضة لأهل الحديث، وهي أن يقال: كيف تُبطِلون بعضَ التأويلات وتُصحِّحون البعض؟ والمعارضة لا تورد عند الدعوى، وإنما تورد بعد الأدلة.
وأيضًا مما يُبيِّن عدمَ ورودِ هذه الأسوِلة: السؤال الأول، وهو منعُ الاختلاف بين أهلِ الحديث وأهل الكلام في التأويل، فإن المناظرة كانت مع مَن يدَّعي أن الحق مع أهل التأويل دونَ مَن خالفَهم، فإن لم يكن لهذا وجود كان ردًّا على من نَصَرَ أهل الكلام المخالفين لأهل الحديث، لا على من نَصَرَ أهلَ الحديث.
وأيضًا فإنه عَقِبَ هذا الكلام قد قلنا (¬١): "إنّ أمهاتِ المسائل التي خالفَ فيها متأخرو المتكلمين لأهل الحديث ثلاث: مسألة وصفِ الله بالعلُوّ، ومسألة القرآن، ومسألة تأويل الصفات". وهذا تعيين لهذه المسائل الثلاثة المختلَف فيها، والخلاف في هذه المسائل أشهرُ من أن يُحتَاجَ إلى نَقْلٍ.
فإن قيل: لا نُسلِّم أن أحدًا خالفَ أحدًا في هذه المسائل، بل كلُّ تأويلٍ فيها للمتكلمين فإنّ أهلَ الحديث لم يَنفُوه، بل سكتوا عنه.
---------------
(¬١) "مجموع الفتاوى" (٦/ ٣٥٤، ٣٥٥).

الصفحة 68