كتاب جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 6)

(فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (٧٥) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا) (¬١). وأما نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا يفعل إلا ما أمر به (¬٢) من دعاء وعبادة، فإن نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العبد المحض الذي لا يفعل إلا ما أمرَه به ربُّه، فلهذا أمره بالدعاء فقيل له: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (١١٤)) (¬٣)، وقيل له: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) (¬٤)، وإذا كان يوم القيامة وردَّ الأنبياء إليه الشفاعة العظمى، وجاءته الأمم، يجيء إلى (¬٥) ربه، ويخرُّ ساجدا، ويحمد ربه بمحامد يفتحها عليه، فيقول له: "أي محمد! ارفعْ رأسَك، وقلْ يُسمَعْ، واشفَعْ تُشَفَّع" (¬٦)، فلا يشفع إلا بعد أن يؤمر بالشفاعة، فلا يقال له: أعرض عن هذا، ولا يقال له: لاتسألني ما ليس لك به علم.
وقد أوجب الله على أهل المحبة متابعته بقوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (¬٧)، فهؤلاء المتَّبعون لأمره، المستمسكون بسنته في الباطن والظاهر، هم خالص أمته، وأما من كان من أهل المحبة أو الخوف أو الرجاء أو الإخلاص، استعمله
---------------
(¬١) سورة هود: ٧٤ - ٧٦.
(¬٢) في الأصل: "فلا يفعلون إلا ما أمروا به".
(¬٣) سورة طه: ١١٤.
(¬٤) سورة محمد: ١٩.
(¬٥) في الأصل: "اليه" تحريف.
(¬٦) أخرجه البخاري (٤٤٧٦) ومسلم (١٩٣) من حديث أنس في حديث الشفاعة المشهور.
(¬٧) سورة آل عمران: ٣١.

الصفحة 19