كتاب جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 6)

مقصودٍ هو المعبود، ووسيلةٍ هي الحركة، فأي معبود يُسَامِي الله؟ وأي قصدٍ للمعبود خيرٌ من أن يكون القاصد ذليلاً له مخلصا له، لا متكبرا ولا مشركًا به؟ وأيُ حركةٍ خيرٌ من فعل الحسنات؟ فبهذا تبين أن من أسلم وجهه لله وهو محسن، فإنه مستحق للثواب، كما تبين أنه لا أحسن منه.
وبيان ذلك أن الوجه إما أن يكون هو القصد والنية كما قال:
أستغفر الله ذنبا لستُ مُحصِيَه ... ربّ العباد إليه الوجْهُ والعملُ (¬١)
والوجه مثل الجِهَة، مثل الوعد والعِدَة، والوزن والزِّنَة، والوصل والصِّلَة، وقد قررت هذا في غير هذا الموضع، وهذا مقتضى كلام أئمة التفسير، وهو مقتضى ظاهر الخطاب لمن كان يفقه بالعربية المحضة من غير حاجة إلى إضمار ولا تكلف، ومثل هذه الَاية قوله تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٢٣) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (١٢٤) وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (١٢٥)) (¬٢).
روى الإمام أحمد في مسنده (¬٣) عن أبي أمامة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
---------------
(¬١) البيت بلا نسبة في كتاب سيبويه (١/ ١٧) ومعاني القرآن للفراء (٢/ ٣١٤) والمقتضب للمبرد (٢/ ٣٢١) ومصادر أخرى.
(¬٢) سورة النساء: ١٢٣ - ١٢٥.
(¬٣) ٥/ ٢٦٦. وفي إسناده علي بن زيد الألهاني، وهو ضعيف. وأخرجه أحمد =

الصفحة 27