كتاب جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 8)

وقال تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: ٧]. وقد يحتج من يقف عند قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} كمجاهد وابن قتيبة، ويذكر رواية عن ابن عباس (¬١)، على ذلك بأنه سبحانه لم يقل هنا: "والمؤمنون والراسخون في العلم يقولون آمنا به" كما قال في تلك الآية: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} الآية. فلو لم يكن المقصود بالآية إلّا الخبر عنهم بأنهم قالوا: آمنا به، لأخبرَ بذلك عن جميع المؤمنين كما في نظائره، مثل قوله: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: ٨٢]، وقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة: ١٢٤ ــ ١٢٥].
وقد يُجيب الجمهور الذين يقفون عند قوله: {إِلَّا اللَّهُ} وقد نُقِل هذا المعنى عن أُبيّ وابن مسعود وابن عباس وعائشة (¬٢) والجمهور، بأن هذا الموضع كقوله في سورة الحج: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ
---------------
(¬١) أخرجه الطبري في تفسيره (٥/ ٢٢٠).
(¬٢) انظر تفسير الطبري (٥/ ٢١٨، ٢١٩).

الصفحة 151