كتاب جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 8)
فنفيُ العلم من وجه وإثباته من وجهٍ حق، وعلى هذا فيصحُّ إثباتُ علم التأويل للراسخين من وجهٍ ونفيُه من وجهٍ، فيصح الوقفان (¬١).
وقال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة: ١٠١]، ومعلوم أنه قد أعلمهم بنوعهم ووصفهم وأنهم من أهل المدينة والأعراب، لكن لا تعلم أعيانهم. وقال تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [الأنعام: ٥٠]، نفى قوله أنه يعلم الغيب المطلق، وإن كان الله قد أعلمه مما غاب عن غيره شيئًا كثيرًا. وقال تعالى: {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: ٢٦، ٢٧]، وكذلك قوله: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: ٦٥]، وقوله: {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ: ١٤].
وقد قال يعقوب ليوسف: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف: ٦]، وقال: {لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} [يوسف: ٣٧] أي قبل أن يأتي التأويل، وقال أولئك: {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ} [يوسف: ٤٤]، ومعلوم التأويل قبل مجيئه، وإنما علمه بالوصف
---------------
(¬١) بعدها كلمات مطموسة.