كتاب جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 8)

أيضًا، لاسيما مع شدَّة اتصال العين بالقلب، فقيّد القلوب بذكر محلها دفعًا لتوّهم إرادة غيرها.
وأحسن من هذا أنْ يقال (¬١): إنَّه ذكر محل العمى الحقيقي الذي هو أولى باسم العمى من عمى البصر، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (¬٢)، أي: هذا أولى بأنْ يكون شديدًا منه.
وقوله: «ليس المسكين بهذا الطوَّاف الذي تردُّه اللقمة واللقمتان، إنَّما المسكين الذي لا يجد ما يغنيه، ولا يُفطَن له فيتصدَّق عليه» (¬٣)، أي: هذا أولى باسم المسكين من الذي تسمّونه أنتم مسكينًا، ونظائر ذلك كثيرة.
أي: فعمى القلب هو العمى الحقيقي، لا عمى البصر، فأعمى القلب أولى أنْ يكون أعمى من أعمى العين، فنبّه سبحانه بقوله: {الَّتِي فِي الصُّدُورِ}، على أنَّ العمى هو العمى الباطن في العضو الذي محلّه الصدر، لا العمى الظاهر في العضو الذي محلّه الوجه. والله تعالى أعلم بما أراد من كلامه.
---------------
(¬١) بنحو هذا قال ابن عطية في المحرر الوجيز (١١/ ٢٠٨، ٢٠٩).
(¬٢) أخرجه البخاري (٦١١٤) ومسلم (٢٦٠٩) عن أبي هريرة.
(¬٣) أخرجه البخاري (١٤٧٩) ومسلم (١٠٣٩) عن أبي هريرة.

الصفحة 342