كتاب جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 8)

منك ما يهلك قربًا بعد قرب، كما تقول: غفر الله ثم غفر الله لك، أي: غفر لك مغفرة بعد مغفرة، فليس هذا بتكرار محض، ولا من باب التأكيد اللفظي، بل هو تعدد الطلب لتعدد المطلوب، ونظيره: اضربه ثم اضربه.
وأما قوله سبحانه وتعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: ١]، [فليس] من التكرار؛ لاختلاف مقصود الفعلين، فإنَّ الأول منهما دعاء يراد به الإنشاء، والثاني خبر، أي: تبت يدا أبي لهب وقد تبّ.
قال الفراء (¬١): «كما تقول: أهلكه الله وقد هلك».
وقال مقاتل (¬٢): «خسرت يداه بترك الإيمان وخسر هو».
وأما قوله سبحانه وتعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: ١٣]، فتعديد ذلك في مقابلة تعديد الآلاء (¬٣).
وكذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: ١٥]، فهي مع كل آية كأنها مع سورة مفردة، فلا تكرار، والله تعالى أعلم.
وأما قوله تعالى: {وَلَّى مُدْبِرًا} [النمل: ١٠]، وقوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ
---------------
(¬١) في معاني القرآن له (٣/ ٣٩٨).
(¬٢) رُوي نحوه عن قتادة، انظر: تفسير عبد الرزاق (٢/ ٤٠٦) والطبري (١٤/ ٧١٥).
(¬٣) انظر: تأويل مشكل القرآن (ص ٢٣٩) والصناعتين (ص ١٤٤) وأمالي المرتضى (١/ ٨٦).

الصفحة 357