كتاب جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 9)
توسُّط الإرادة من العبد، وهذا جبرٌ بتوسُّط الإرادة!
فنقول: الجبر المنفيُّ هو الأول، كما فسَّرناه.
وأما إثباتُ القسم الثاني، فلا ريب فيه عند أهل الاستنان والآثار، وأولي الألباب والأبصار، لكن لا يُطْلَقُ عليه اسم "الجبر" خشية الالتباس بالأمر (¬١) الأول، وفرارًا من تبادر الأفهام إليه، وربما سُمِّي [جبرًا] إذا أُمِن اللبسُ وعُلِم القصد.
قال عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - في الدعاء المشهور عنه في الصَّلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم داحِيَ المَدْحُوَّات، وباري المَسْمُوكات، جبَّارَ القلوب على فِطْراتها شقيِّها وسعيدِها (¬٢) " (¬٣).
فبيَّن أنه سبحانه (¬٤) جَبَر القلوب على ما فَطَرها عليه من شقاوةٍ أو
---------------
(¬١) (ف): "بالقسم".
(¬٢) (ف): "شقاها أو سعدها"، تحريف. والمثبت من الأصل وسائر كتب المصنف، وهو كذلك في بعض المصادر، وفي بعضها: فطرتها، بالإفراد.
(¬٣) أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب "الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - " (٢٣)، والطبري في "تهذيب الآثار" (٢٢١ - مسند باقي العشرة)، والآجري في "الشريعة" (٢/ ٨٤٢)، وغيرهم من حديث سلامة الكندي عن علي - رضي الله عنه -، ولا يعرف له سماعٌ منه، كما ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه في "الجرح والتعديل" (٤/ ٣٠٠)، وبيَّنه الحافظ عبد العزيز النخشبي في تخريجه للحنائيات (١٢٦٣). وانظر: "جامع التحصيل" (١٩٣)، وتفسير ابن كثير (١١/ ٢١٧).
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٠١٣٤) من وجهٍ آخر عن رجلٍ عن علي - رضي الله عنه -، وفيه من لا يعرف. انظر: "القول البديع" للسخاوي (١١٩).
(¬٤) الأصل: "سبحانه أنه". من سهو الناسخ.