كتاب جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 9)

العلمَ بالأعمال النافعة في الدار الآخرة، والأعمال الضارَّة، أكثرُه غيبٌ عن عقول الخلق، وكذلك مصيرُ العباد ومُنقَلبُهم بعد فراق رُوحِهم (¬١) هذه الدار؛ فبعث الله رسله، وأنزل كتبه، مبشِّرين ومنذرين؛ لئلَّا يكون للناس على الله حجةٌ بعد الرسل.
وحكمتُه في ذلك تضارِع حكمتَه في خلق جميع الأسباب والمسبَّبات، وما ذاك إلا [أن] علمَه الأزليَّ ومشيئتَه النافذة وقدرتَه القاهرة اقتضت ما اقتضته، وأوجبت ما أوجبته، من مصير أقوامٍ إلى جنَّته بالأعمال الموجبة لذلك؛ فخلَقهم وخلَق أعمالهم (¬٢)، وساقهم بتلك الأعمال إلى رضوانه. وكذلك أهل النار.
كما قال الصَّادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - لما قيل له: "ألا ندَع العمل ونتَّكل على الكتاب؟ " فقال: "لا، اعملوا؛ فكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلِق له. أما من كان من أهل السَّعادة فسَيُيَسَّر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشَّقاوة فسَيُيَسَّر لعمل أهل الشقاوة" (¬٣).
فبيَّن - صلى الله عليه وسلم - أن العبد (¬٤) قد يُيسَّر للعمل الذي يسوقُه الله به إلى السعادة، وكذلك الشقيُّ تيسيرُه له هو نفسُ إلهامه ذلك العمل وتهيئةُ أسبابه.
---------------
(¬١) ساقطة من (ف).
(¬٢) (ف): "مصير أقوام إلى الجنة بأعمال موجبة لذلك منهم وخلق أعمالهم".
(¬٣) أخرجه البخاري (٤٩٤٩)، ومسلم (٢٦٤٧) من حديث علي - رضي الله عنه -.
(¬٤) (ف): "السعيد".

الصفحة 109