كتاب جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 9)

عليها، فإن بعض الناس يظنُّ أنه يثابُ على كلِّ مصيبة، ومن (¬١) العلماء من يطلقُ القولَ بأن المصائب لا يثابُ عليها، وإنما يثابُ على الصبر عليها؛ لأن الثواب إنما يكون على فعل العبد، لا على فعل الله فيه (¬٢)، وهكذا رُوِي حديثُ أبي عبيدة بن الجرَّاح لما عَادُوه، وقالوا: له أجرٌ، فقال: "ليس لي من الأجر مثل هذه، ولكن المرض حِطَّةٌ يَحُطُّ الله به الخطايا" (¬٣).
وفصل الخطاب أن المصائب إن تولَّدت عن عملٍ صالح، كما تتولَّد عن الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا يثابُ عليه؛ فإن
---------------
(¬١) الأصل: "فان من". والمثبت من "تسلية أهل المصائب" (١٧٤) أقوم.
(¬٢) ممن أطلق ذلك العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (١/ ١٨٩).
(¬٣) أخرجه أحمد (١٦٩٠)، ومن طريقه الضياء في "المختارة" (٣/ ٣١٧)، وجوَّد إسناده الحافظ في "الفتح" (١٠/ ١٠٩) أنهم دخلوا على أبي عبيدة يعودونه من شكوى أصابته، وامرأته عند رأسه، فقالوا: كيف بات أبو عبيدة؟ قالت: والله لقد بات بأجرٍ، فقال أبو عبيدة: ما بتُّ بأجرٍ، ... سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ... ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده فهو له حطَّة".
واستوفى طرقه وألفاظه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٤٧/ ٢٥٨ - ٢٦٣).

وأورد ابن تيمية الحديث في "مجموع الفتاوى" (٣٠/ ٣٦٣) كما وقع هنا، كله من قول أبي عبيدة، وروي كذلك من وجهٍ لعله أصح، وأشار إليه النسائي في "السنن"، وانظر: "السلسلة الضعيفة" (١٣/ ٩٨٢، ٩٨٤).
وقد قال علي بن المديني فيما نقله ابن عساكر (٤٧/ ٢٦٣): "هذا حديثٌ إسناده شامي، وبعضه مصري، وليس هو بالإسناد المعروف".
وروي هذا المعنى عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - موقوفًا، أخرجه ابن أبي شيبة (١٠٨٢١)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٥/ ٤٦٤)، وصححه الإمام أحمد في "مسائل ابن هانئ" (٢/ ٢٣٧).

الصفحة 391