كتاب جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 9)

الواجبات، وفعل بعض المحرمات = ما يوجبُ له ضررًا في دينه بحسب ذلك. فهذا كانت العافية خيرًا له، من جهة ما أورثته المصيبة، لا من جهة نفس المصيبة، كما أن من أوجبت له المصيبةُ صبرًا وطاعةً كانت في حقه نعمةً دينية.
فهي بعينها فعلُ الربِّ عزَّ وجلَّ رحمةً للخلق، والله محمودٌ عليها، فإن اقترن بها طاعةٌ كان ذلك نعمةً ثانيةً على صاحبها، وإن اقترن بها معصيةٌ كان ذلك من نفس صاحبها، وكان ذلك تحقيقًا لما قدَّمناه أنَّ ما ثَمَّ شرٌّ إلا الذنوبُ وعقوباتها.
* وأما الخير الذي يحصل للمؤمن بالمصيبة، فهذا مما تتنوَّع فيه أحوالُ الناس، كما تتنوَّع أحوالُهم في العافية.
وقد قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا} الآية [البقرة: ٢١٤]، وقال: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} [البقرة: ١٧٧]، وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} الآيتين [البقرة: ١٥٥ - ١٥٦].
فقد أنكر سبحانه على من حسب أنهم يدخلون الجنة بدون الابتلاء بالبأساء وهي الفقر في الأموال، والضرَّاء وهي المرض في الأبدان، وحين البأس والزلزال وهو الخوف من الأعداء (¬١).
قال تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ}، فجعل الصبر في
---------------
(¬١) انظر: "مجموع الفتاوى" (١٠/ ٤١، ٢٨/ ٤٦٠).

الصفحة 406