كتاب جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 9)

وإذا حصل لك الدعاء الذي هو سؤال الله حاجاتك، فتسأله ما تنتفع به، وتستعيذ به مما تستضرُّ به، كان هذا من أعظم نعم الله عليك.
[وهذا] كثيرًا ما يحصُل بالمصائب؛ [لأمرين] (¬١):
* أما الأول، فإن المصيبة يَرِقُّ معها القلبُ ويخشع، وتَذِلُّ النفسُ، فتنقاد لفعل المأمور وترك المحظور.
وأما مع حصول الرياسة، والمال، والعافية في النفس والأهل، فإن
{الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَأَىهُ اسْتَغْنَى} [العلق: ٦ - ٧]، والنفس حينئذٍ لا تستجيبُ لفعل المأمور وترك المحظور، بل تتعدَّى الحدود، وتنتهك المحارم، وتضيِّع الواجبات الباطنة والظاهرة، من الإخلاص، والتوكُّل، والصبر، والشكر، وحقوق الرب عز وجل (¬٢) وحقوق عباده، ويحصل لها من الاستكبار، والخيلاء، والإعجاب، والرياء، ما هو من أضرِّ الأمور بها.
* وأما الثاني، فلأن المصيبة توجبُ قطعَ تعلُّق قلبه بالمخلوق إذا أيِسَ [من] زوالها بالمخلوق، كالمرض الذي أعيا الأطبَّاء، والفقر الذي لم يرجُ (¬٣) معه أحدًا يزيله، والخوف الذي ليس فيه نصرٌ لمخلوق (¬٤).
والنفسُ تطلبُ جلبَ المنفعة ودفعَ المضرَّة من حيث ترجو ذلك، ولو
---------------
(¬١) ما بين المعقوفات زيادات تقديرية لالتئام السياق.
(¬٢) سقطت الجملة من الأصل، واستدركتها من نسخة المحمودية (ق ٣٠/أ).
(¬٣) الأصل: "يرجوا".
(¬٤) كذا في الأصل، أي: نصرٌ من مخلوق.

الصفحة 409