كتاب جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 9)

كان بتوهُّمٍ (¬١) وخيال، فبهذا (¬٢) يَغْلِبُ عليها الشركُ أولًا بتعلُّقها بمن (¬٣) ترجوه لجلب المنفعة كتحصيل (¬٤) الرِّزق، أو لدفع المضرَّة كقهر العدو، بمثل الإخوان والأصدقاء، ومثل الأقارب (¬٥) والجيران، ومثل الملوك والولاة والقضاة، ومثل المشايخ والعلماء، ومثل قبور الصالحين والأنبياء. فإذا أيِسَت من الخلق أقبلت على الله، فدَعَت الله مخلصةً له الدين، قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ} الآية [يونس: ١٢] (¬٦).
* ومن الخير الذي قد يحصل بالمصائب: [أنه] إذا حصلت له التوبة، والإنابة إلى الله، والاستكانة له، والتضرُّع = ذاق طعمَ الإيمان، ووَجَد حلاوة حبِّ الله ورسوله، فعَظُمَ إيمانُه علمًا وعملًا، وذاق من حلاوة ذلك ولذَّته ما لم يكن ذاقه قبل ذلك؛ لأن هوى النفس وعاداتها (¬٧) الفاسدة كانت حجابًا له عن ذَوْقِ طعم الإيمان وَوَجْدِ (¬٨) حلاوته، فلمَّا حصل البلاءُ أزال هوى النفس، فارتفع الحجاب، وذاق العبد حلاوة الإيمان.
---------------
(¬١) الأصل: "توهم". والمثبت أشبه.
(¬٢) الأصل: "فهذا". وما أثبت أظهر.
(¬٣) الأصل: "بتعلق من". ولا يستقيم.
(¬٤) الأصل: "وتحصيل". تحريف.
(¬٥) الأصل: "الارقاب". من سهو الناسخ.
(¬٦) انظر: "الرد على الشاذلي" (١١)، و"مجموع الفتاوى" (١٠/ ٦٥٠).
(¬٧) الأصل: "عادتها". والمثبت من نسخة المحمودية.
(¬٨) المراد بالوجد هنا الوجود والوجدان، كما فسَّره ابن القيم في "مدارج السالكين" (٢٩٥٢)، لا الوجد الذي هو لهيب القلب. وهو استعمال مولد يقع في كلام ابن تيمية وغيره. انظر: "مجموع الفتاوى" (١٠/ ٣٢٧)، و"جامع المسائل" (١/ ١٢٨).

الصفحة 410