كتاب جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 9)

وشهودُ هذا للقلب يدفعُ عنه العُجْبَ بها، والفخر، ونحو ذلك مما يحصلُ بإضافة ذلك إلى النفس.
وفي الحديث الصَّحيح عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أوحِيَ إليَّ أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحدٌ على أحد، ولا يبغي أحدٌ على أحد" (¬١).
وقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: ١٨].
والناسُ في هذا المقام أربعُ طبقات (¬٢):
* فخيرُ الناس: أهلُ الإيمان المحض، الذين يشهدون نعمة الله في الطاعة، ويشهدون ذنوبهم في المعصية، كما في الحديث الصَّحيح الإلهيَّ: "يا عبادي، إنما هي أعمالُكم أحصيها لكم، ثم أوفِّيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسَه" (¬٣).
* وشرُّ الناس: الذين يشهدون أنفسَهم فاعلةً للطاعات، ويشهدون المعاصي أنها من القَدَر، فيضيفونها إلى الله، كما قال بعض العلماء: "أنت عند الطاعة قَدَرِيٌّ، وعند المعصية جَبْرِيٌّ، أيُّ مذهبٍ وافق هواك تمذهبتَ به" (¬٤).
والأولون إذا عملوا طاعةً لله عزَّ وجلَّ، أو أحسنوا إلى أحدٍ من خلقه،
---------------
(¬١) أخرجه مسلم (٢٨٦٥) من حديث عياض بن حمار - رضي الله عنه -.
(¬٢) انظر: "مجموع الفتاوى" (٨/ ١٠٧، ٣٣٢).
(¬٣) أخرجه مسلم (٢٥٧٧) من حديث أبي ذر - رضي الله عنه -.
(¬٤) القول لابن الجوزي في "المدهش" (٢٦٤)، ولفظه: "أنت في طلب الدنيا قدريٌّ، وفي طلب الدين جبريٌّ، أي مذهب وافق غرضك تمذهبت به". ونسبه إليه شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (٨/ ٤٤٦، ١٦/ ٢٤٨).

الصفحة 421