كتاب موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزُّهْدَ عِبَارَةٌ عَنِ الرَّغْبَةِ عَنْ حُظُوظِ النَّفْسِ كُلِّهَا إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا عِلْمًا بِأَنَّ الْمَتْرُوكَ حَقِيرٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْمَأْخُوذِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يُظَنُّ أَنَّ تَارِكَ الْمَالِ زَاهِدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ تَرْكَ الْمَالِ وَإِظْهَارَ الْخُشُونَةِ سَهْلٌ عَلَى مَنْ أَحَبَّ الْمَدْحَ بِالزُّهْدِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الزُّهْدِ فِي حُظُوظِ النَّفْسِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوِّلَ الزَّاهِدُ فِي بَاطِنِهِ عَلَى ثَلَاثِ عَلَامَاتٍ:
الْأُولَى: أَنْ لَا يَفْرَحَ بِمَوْجُودٍ وَلَا يَحْزَنَ عَلَى مَفْقُودٍ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: (لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) [الْحَدِيدِ: 23] .
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَسْتَوِيَ عِنْدَهُ ذَامُّهُ وَمَادِحُهُ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ أُنْسُهُ بِاللَّهِ - تَعَالَى - وَالْغَالِبُ عَلَى قَلْبِهِ حَلَاوَةُ الطَّاعَةِ.
الصفحة 298
416