كتاب الموسوعة القرآنية (اسم الجزء: 9)

لا موضوعة فى اللغة للنفى وإِلَّا للإثبات، وأن مقتضى هذه الكلمة الحصر، ويعلم كل أحد بالضرورة أن مقتضى: أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، ونحوه، طلب إيجاد المأمور به، وإن لم يعلم أن صيغة أفعل للوجوب.
فما كان من هذا القسم لا يعذر أحد يدعى الجهل بمعاني ألفاظه لأنها معلومة لكل أحد بالضرورة.
وأما ما لا يعلمه إلا الله تعالى فهو ما يجرى مجرى الغيوب، نحو الآي المتضمنة لقيام الساعة وتفسير الروح والحروف المقطعة، وكل متشابه فى القرآن عند أهل الحق، فلا مساغ للاجتهاد فى تفسيره، ولا طريق إلى ذلك إلا بالتوقيف بنص من القرآن أو الحديث أو إجماع الأمة على تأويله.
وأما ما يعلمه العلماء ويرجع إلى اجتهادهم فهو الذي يغلب عليه إطلاق التأويل، وذلك استنباط الأحكام وبيان المجمل وتخصيص العموم.
وكل لفظ احتمل معنيين فصاعدا فهو الذي لا يجوز لغير العلماء الاجتهاد فيه، وعليهم اعتماد الشواهد والدلائل دون مجرد الرأى.
فإن كان أحد المعنيين أظهر وجب الحمل عليه إلا أن يقوم دليل على أن المراد هو الخفي.
وإن استويا والاستعمال فيهما حقيقة لكن فى أحدهما حقيقة لغوية أو عرفية وفى الآخر شرعية، فالحمل على الشرعية أولى إلا أن يدل دليل على إرادة اللغوية كما فى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ.
ولو كان فى أحدهما عرفية والآخر لغوية فالحمل على العرفية أولى وإن اتفقا فى ذلك أيضا.
فإن تنافى اجتماعهما ولم يمكن إرادتهما باللفظ الواحد كالقرء للحيض والطهر. اجتهد فى المراد منهما بالأمارات الدالة عليه، فما ظنه فهو مراد الله تعالى فى حقه وإن لم يظهر له شىء، فهل يتخير فى الحمل على أيهما شاء ويأخذ بالأغلظ حكما أو بالأخف؟ أقوال، وإن لم يتنافيا وجب الحمل عليهما عند المحققين ويكون ذلك أبلغ فى الإعجاز والفصاحة، إلا إن دلّ دليل على إرادة أحدهما، إذا عرف ذلك فينزل حديث: «من تكلم بالقرآن برأيه» على قسمين من هذه الأربعة:

الصفحة 23