كتاب المطالب العالية محققا (اسم الجزء: 9)
عَيَّرَتْهُ بِهِ هَوَازِنُ فَقَالُوا: ذَا الجِلال نُتَابعُ (¬5) بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَلَمَّا قَضَيْنَا غَزَاتَنَا، رَجَعْنَا وَلَمْ أَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ، قُلْتُ لَهُ: إِنِّي قَدْ صَحِبْتُكَ وَلِي عَلَيْكَ حَقٌّ وَلَمْ أَسْأَلْكَ عَنْ شَيْءٍ، فَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، فَإِنِّي لَسْتُ أَسْتَطِيعُ أَنْ آتِيَ الْمَدِينَةَ كُلَّ سَبْتٍ (¬6)، قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدْ كَانَ فِي نَفْسِي ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تذكره لي، اعبد الله لا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَآتِ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وحُجَّ الْبَيْتَ، وصُمْ رَمَضَانَ، وَلَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى رَجُلَيْنِ.
قُلْتُ (¬7): أَمَّا الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ، فَقَدْ عَرَفْتُهَا، وَأَمَّا الْإِمَارَةُ، فَإِنَّمَا يُصِيبُ الناسَ الخيرُ مِنَ الإِمارة، قَالَ: إِنَّكَ قَدِ اسْتَجْهَدْتَنِي فَجَهَدْتُ لَكَ، إِنَّ النَّاسَ دَخَلُوا فِي الإِسلام طَوْعًا وَكَرْهًا، فَأَجَارَهُمُ اللَّهُ مِنَ الظُّلْمِ، فَهُمْ عُوَّاذُ اللَّهِ (¬8) وَجِيرَانُ اللَّهِ وَفِي ذِمَّةِ اللَّهِ، وَمَنْ يظلمْ أَحَدًا مِنْهُمْ، فَإِنَّمَا يَخْفِرُ رَبَّهُ، واللهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَتُؤْخَذُ شَاةُ جَارِهِ أَوْ بَعِيرُهُ، فَيَظَلُّ بَاقِي عفلَتِهُ (¬9) غَضَبًا لِجَارِهِ وَاللَّهُ مِنْ وَرَاءِ جَارِهِ. فَلَمَّا رَجَعْنَا إِلَى دِيَارِنَا وقُبض رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَايَعَ الناسُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاسْتَخْلَفَ (¬10) أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ: مَنِ اسْتُخْلِفَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالُوا: صاحبُك أَبُو بَكْرٍ. فأتيتُ الْمَدِينَةَ، فَلَمْ أَزَلْ أَتَعَرَّضُ لَهُ حَتَّى وَجَدْتُهُ خَالِيًا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَقُلْتُ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ أَنَا صَاحِبُكَ، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَمَا تَحْفَظُ مَا قلت
¬__________
(¬5) في (عم): "تبايع".
(¬6) في (عم) و (ك): "كلما شئت"، وهو الأنسب للسياق.
(¬7) في (ك): "قلنا".
(¬8) في (عم): "عوّاذًا به".
(¬9) في (عم): "عضلته"، وفي (ك): "عصيلته".
(¬10) في (ك): "واستخلفوا".
الصفحة 581
703