كتاب المطالب العالية محققا (اسم الجزء: 14)

= قلت: وهذا كلام حسن إلَّا أن فيه توسع، فإن تلقى الصحابي وغيره من أهل الكتاب هو في أخبار الماضين والأمم السابقة، والأنبياء السالفين وبدء الخلق، وأخبار الجان، وغير ذلك، فهذا الذي يحتمل أن يكون مأخوذا عن أهل الكتاب، أما الأحكام الشرعية، والآداب الدينية والأذكار والدعوات والأسماء والصفات، ونحوها، فلا يمكن أن تتلقى عن أهل الكتاب؛ لأنها أمور دينية يترتب عليها أحكام في الدين والعقيدة، فالصحابي لا يجزم بهذه الأمور ويحدث بها إلَّا وله مستند من كلام رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، والظن بالصحابة رضي الله عنهم لا يسمح بأن يأخذوا عن أهل الكتاب الأحكام الشرعية، ثم يجزموا في تحديثهم بها، بل لم يعهد عنهم مثل ذلك، وإنما كانوا يتوسعون فيما ذكرت والمجال فيها واسع. فمن الأجدى أن تضبط المسألة بضابط، وإلاَّ لتسلسل هذا القول في سائر الصحابة لأن الإِنسان لا يستطيع الجزم بأن فلانا من الصحابة لم يأخذ من مسلمة أهل الكتاب، فحقيق أن تخصص هذه المسألة مما ذكرت في الصحابة الذين قيل أنهم أخذوا عن أهل الكتاب كعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن سلام وغيرهما رضي الله عنهما، بدلًا من رد الموقوفات التي لها حكم الر فع عليهم، والله أعلم.
فظننا في مثل هذا الحديث بابن عباس رضي الله عنهما أنه من هذا القبيل له حكم الرفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.

الصفحة 47