كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 1)

يَرْجِعْ الْإِمَامُ حَتَّى أَحْدَثَ هَذَا فَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُقْتَدِي بِهِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ إمَامٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى رَجَعَ الْأَوَّلُ ثُمَّ خَرَجَ الثَّانِي فَقَدْ صَارَ الْإِمَامُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ جَاءَ ثَالِثٌ وَاقْتَدَى بِالثَّانِي ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ تَحَوَّلَتْ الْإِمَامَةُ إلَى الثَّالِثِ لِكَوْنِهِ مُتَعَيِّنًا، فَإِنْ أَحْدَثَ فَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَبْلَ رُجُوعِ أَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُمَا إمَامٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَجَعَ أَحَدُ الْأَوَّلَيْنِ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّالِثِ تَحَوَّلَتْ الْإِمَامَةُ إلَيْهِ بِخُرُوجِ الثَّالِثِ، فَإِنْ كَانَا رَجَعَا جَمِيعًا، فَإِنْ اسْتَخْلَفَ الثَّالِثُ أَحَدَهُمَا صَارَ هُوَ الْإِمَامُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ حَتَّى خَرَجَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ مِنْ الْآخَرِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - إذَا أَحْدَثَ وَلَيْسَ مَعَهُ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ فَوَجَدَ الْمَاءَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَوَضَّأَ، قَالَ: يُتِمُّ صَلَاتَهُ مُقْتَدِيًا بِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لِلْإِمَامَةِ فَبِنَفْسِ انْصِرَافِهِ تَتَحَوَّلُ الْإِمَامَةُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ فَتَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ عَادَ إلَى مَكَانِ الْإِمَامَةِ وَصَلَّى بِهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ لَمْ تَتَحَوَّلْ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا بِالِاسْتِخْلَافِ وَلَمْ يُوجَدْ.

قَالَ: (إمَامٌ أَحْدَثَ فَانْفَتَلَ وَقَدَّمَ رَجُلًا جَاءَ سَاعَتئِذٍ، فَإِنْ كَانَ كَبَّرَ قَبْلَ الْحَدَثِ مِنْ الْإِمَامِ صَحَّ اسْتِخْلَافُهُ)؛ لِأَنَّهُ شَرِيكُ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَبَّرَ فَلَمَّا اسْتَخْلَفَهُ كَبَّرَ يَنْوِي الِاقْتِدَاءَ بِهِ صَحَّ الِاسْتِخْلَافُ أَيْضًا إلَّا عَلَى قَوْلِ بِشْرٍ، فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِالْإِمَامِ؛ لِأَنَّ حَدَثَ الْإِمَامِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي كَحَدَثِهِ بِنَفْسِهِ، وَكَوْنُهُ مُحْدِثًا يَمْنَعُ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ ابْتِدَاءً فَيُمْنَعُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ أَيْضًا، فَإِنَّ بَقَاءَ الِاقْتِدَاءِ بَعْدَ الْحَدَثِ عَرَفْنَاهُ بِالسُّنَّةِ، وَالِابْتِدَاءُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْبَقَاءِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: التَّحْرِيمَةُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ بَاقِيَةٌ حَتَّى إذَا عَادَ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ، وَكَذَلِكَ صِفَةُ الْإِمَامَةِ لَهُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ وَعَادَ إلَى مَكَانِ الْإِمَامَةِ جَازَ، فَاقْتِدَاءُ الْغَيْرِ بِهِ صَحِيحٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَإِذَا صَحَّ الِاقْتِدَاءُ جَازَ اسْتِخْلَافُهُ، وَإِنْ كَانَ حِينَ كَبَّرَ نَوَى أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ صَلَاةً مُسْتَقْبَلَةً وَلَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ بِالْأَوَّلِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ افْتَتَحَهَا مُنْفَرِدًا بِهَا وَقَدْ أَدَّاهَا وَصَلَاةُ الْقَوْمِ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُقْتَدِينَ بِالْأَوَّلِ فَلَا يُمْكِنُهُمْ إتْمَامُهَا مُقْتَدِينَ بِالثَّانِي، فَإِنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا تُؤَدَّى بِإِمَامَيْنِ، بِخِلَافِ خَلِيفَةِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَكَأَنَّهُ هُوَ بِعَيْنِهِ، فَكَانَ الْإِمَامُ وَاحِدًا مَعْنًى، وَإِنْ كَانَ مَثْنَى فِي الصُّورَةِ، وَهُنَا الثَّانِي لَيْسَ بِخَلِيفَةِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُقَيَّدْ بِهِ قَطُّ فَتَحَقَّقَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ خَلْفَ إمَامَيْنِ صُورَةً وَمَعْنًى، فَلِهَذَا لَا يُجْزِئُهُمْ.

قَالَ: (إمَامٌ أَحْدَثَ وَهُوَ مُسَافِرٌ وَخَلْفَهُ مُقِيمُونَ وَمُسَافِرُونَ

الصفحة 178