كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 1)

الْأَوَّلِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهَا إذَا وَقَفَتْ خَلْفَهُ فَقَصْدُهَا أَدَاءُ الصَّلَاةِ لَا فَسَادُ صَلَاةِ الرَّجُلِ فَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ، فَإِذَا وَقَفَتْ إلَى جَنْبِهِ فَقَدْ قَصَدَتْ إفْسَادَ صَلَاتِهِ فَرُدَّ قَصْدُهَا بِإِفْسَادِ صَلَاتِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ قَدْ نَوَى إمَامَتَهَا، فَحِينَئِذٍ هُوَ مُلْتَزِمٌ بِهَذَا الضَّرَرِ.

قَالَ: (وَإِذَا سَبَقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَا يَقْضِيَانِ فَوَقَفَتْ بِحِذَاءِ الرَّجُلِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ كَانَا لَاحِقَيْنِ بِأَنْ أَدْرَكَا أَوَّلَ الصَّلَاةِ ثُمَّ نَامَا أَوْ سَبَقَهُمَا الْحَدَثُ فَوَقَفَتْ الْمَرْأَةُ بِحِذَائِهِ فِيمَا يُتِمَّانِ فَصَلَاةُ الرَّجُلِ فَاسِدَةٌ)؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ فِيمَا يَقْضِي كَالْمُنْفَرِدِ حَتَّى تَلْزَمَهُ الْقِرَاءَةُ وَسُجُودُ السَّهْوِ إذَا سَهَا، فَلَمْ تُوجَدْ الْمُحَاذَاةُ فِي صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ، فَأَمَّا اللَّاحِقُ فِيمَا يُتِمُّ كَالْمُقْتَدِي حَتَّى لَا يَقْرَأَ، وَلَوْ سَهَا لَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ فَوُجِدَتْ الْمُحَاذَاةُ فِي صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ. وَفِقْهُ هَذَا الْحَرْفِ أَنَّ اللَّاحِقَ لَمَّا اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ قَدْ الْتَزَمَ أَدَاءَ جَمِيعِ الصَّلَاةِ بِصِفَةِ الِاقْتِدَاءِ، فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهُ بِدُونِ هَذِهِ الصِّفَةِ، فَأَمَّا الْمَسْبُوقُ إنَّمَا الْتَزَمَ بِحُكْمِ الِاقْتِدَاءِ مَا بَقِيَ عَلَى الْإِمَامِ دُونَ مَا فَرَغَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فَجَعَلْنَاهُ كَالْمُنْفَرِدِ فِيمَا يَقْضِي بِهَذَا.

قَالَ: (وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي الظُّهْرَ فَائْتَمَّتْ بِهِ امْرَأَةٌ تُرِيدَ التَّطَوُّعَ وَقَدْ نَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا ثُمَّ وَقَفَتْ بِحِذَائِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهَا)؛ لِأَنَّ اقْتِدَاءَ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ صَحِيحٌ، فَوُجِدَتْ الْمُحَاذَاةُ فِي صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ، وَعَلَيْهَا قَضَاءُ التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ كَانَ بَعْدَ صِحَّةِ شُرُوعِهَا بِسَبَبِ فَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَتْ نَوَتْ الْعَصْرَ لَمْ تُجْزِهَا صَلَاتُهَا وَلَمْ تُفْسِدْ عَلَى الْإِمَامِ صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّ تَغَايُرَ الْفَرْضَيْنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ الْأَذَانِ، وَمَا ذَكَرْنَا هَاهُنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِيرُ شَارِعَةً فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا، بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْأَذَانِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالَ: الْجَوَابُ مَا ذَكَرَ فِي بَابِ الْأَذَانِ، وَمَعْنَى مَا ذَكَرَ هَاهُنَا أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهَا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، فَتَجْعَلُ هِيَ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ بِنِيَّةِ الْعَصْرِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهَا، فَلِهَذَا لَا تَصِيرُ شَارِعَةً فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ.

قَالَ: (وَيُصَلِّي الْعُرَاةُ وُحْدَانًا قُعُودًا بِإِيمَاءٍ) وَقَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُصَلُّونَ قِيَامًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُمْ عَجَزُوا عَنْ شَرْطِ الصَّلَاةِ وَهُوَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَرْكَانِهَا، فَعَلَيْهِمْ الْإِتْيَانُ بِمَا قَدَرُوا عَلَيْهِ، وَسَقَطَ عَنْهُمْ مَا عَجَزُوا عَنْهُ، وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قَالَا: الْعَارِي يُصَلِّي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ، وَلِأَنَّ الْقُعُودَ وَالْإِيمَاءَ أَسْتَرُ لَهُمْ، وَفِي الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ زِيَادَةُ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَذَلِكَ حَرَامٌ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ الصَّلَاةِ، فَكُلُّ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ لَا يُمْكِنُهُ

الصفحة 186